23 - ذكر أبي سفيان وأخباره ونسبه
  / إلى ذلك المجلس من غد وفيه أبو سفيان والحبر. فقلت للحبر: بلغني أنك سألت ابن عمّي هذا عن رجل منّا يزعم أنه رسول اللَّه، فأخبرك أنه عمّه، وليس بعمّه ولكنّه ابن عمّه، وأنا عمّه أخو أبيه. فقال: أأخو أبيه؟ قلت: أخو أبيه. فأقبل على أبي سفيان فقال: أصدق؟ قال: نعم صدق. قال فقلت: سلني عنه، فإن كذبت فليردد عليّ. فأقبل عليّ فقال: أنشدك اللَّه، هل فشت لابن أخيك صبوة أو سفهة؟ قال قلت: لا وإله عبد المطَّلب ولا كذب ولا خان، وإن كان اسمه عند قريش الأمين. قال: فهل كتب بيده؟ قال عبّاس: فظننت أنه خير له أن يكتب بيده، فأردت أن أقولها، ثم ذكرت مكان أبي سفيان وأنّه مكذّبي ورادّ عليّ، / فقلت: لا يكتب. فذهب الحبر وترك رداءه وجعل يصيح: ذبحت يهود! قتلت يهود! قال العباس: فلما رجعنا إلى منزلنا قال أبو سفيان: يا أبا الفضل، إنّ اليهوديّ لفزع من ابن أخيك. قال قلت: قد رأيت ما رأيت، فهل لك يا أبا سفيان أن تؤمن به، فإن كان حقّا كنت قد سبقت، وإن كان باطلا فمعك غيرك من أكفائك؟ قال: لا واللَّه ما أو من به حتى أرى الخيل تطلع من كداء (وهو جبل بمكة). قال قلت: ما تقول؟! قال: كلمة واللَّه جاءت على فمي ما ألقيت لها بالا، إلا أني أعلم أن اللَّه لا يترك خيلا تطلع من كداء. قال العباس: فلما فتح رسول اللَّه ﷺ مكة ونظرنا إلى الخيل قد طلعت من كداء، قلت: يا أبا سفيان، أتذكر الكلمة؟ قال لي: واللَّه إني لذاكرها، فالحمد للَّه الذي هداني للإسلام.
  حديث استئمان العباس له وإسلامه في غزاة الفتح:
  حدّثنا(١) محمد بن جرير الطَّبريّ قال حدّثنا البغويّ(٢) قال حدّثنا الغلابيّ أبو كريب / محمد بن العلاء قال حدّثنا يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق قال حدّثني الحسين بن عبيد اللَّه بن العبّاس عن عكرمة عن ابن عبّاس قال:
  لمّا نزل رسول اللَّه ﷺ مرّ(٣) الظَّهران (يعني في غزاة الفتح) قال العبّاس بن عبد المطلب وقد خرج رسول اللَّه ﷺ من المدينة: يا صباح(٤) قريش! واللَّه لئن بغتها رسول اللَّه ﷺ إنها لهلاك قريش آخر الدهر. فجلس على بغلة رسول اللَّه ﷺ البيضاء وقال: أخرج إلى الأراك(٥)، لعلَّي أرى حطَّابا أو صاحب لبن أو داخلا يدخل مكة فيخبرهم بمكان رسول اللَّه ﷺ فيستأمنونه. فو اللَّه إني لأطوف في الأراك ألتمس ما خرجت له إذ سمعت صوت أبي سفيان وحكيم(٦) بن حزام وبديل(٧) بن ورقاء يتجسّسون الخبر عن رسول اللَّه ﷺ؛ فسمعت أبا سفيان وهو يقول:
(١) ورد هذا الخبر بسنده في «تاريخ الطبري» (ق ١ ص ٦٣٠ طبع أوروبا). وقد رواه ابن جرير الطبري عن أبي كريب مباشرة. وهو كثيرا ما يقول في تاريخه: «حدّثنا أبو كريب». فلعل ذكر اسمي البغوي والغلابي هنا من زيادات النساخ.
(٢) هو أحمد بن منيع بن عبد الرحمن الحافظ الكبير أبو جعفر الأصم البغوي من شيوخ ابن جرير الطبري توفي ببغداد سنة ٢٤٤ هـ.
(٣) مر الظهران: واد قرب مكة.
(٤) يا صباح كذا ويا صباحاه: مما يستعمل عند الانذار بالغارة.
(٥) الأراك: واد قرب مكة.
(٦) هو حكيم بن خويلد بن عبد العزي الأسدي أبو خالد ابن أخي خديجة زوج النبي ﷺ. قال ابن إسحاق: أعطاه النبي ﷺ من غنائم حنين مائة من الإبل، وولد في جوف الكعبة قبل قدوم الفيل بثلاث عشرة سنة.
(٧) هو بديل بن ورقاء بن عبد العزيز بن ربيعة بن جزي بن عامر بن مازن بن عدي من خزاعة، وهو الذي كتب إليه رسول اللَّه ﷺ يدعوه إلى الإسلام، وهو من كبار مسلمة الفتح.