كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

1 - أخبار الوليد بن يزيد ونسبه

صفحة 13 - الجزء 7

  كمقتبض يوما على عرض هبوة⁣(⁣١) ... يشدّ عليها كفّه بالأنامل

  فكتب إليه هشام: «قد فهم أمير المؤمنين ما كتبت به من قطع ما قطع وغير ذلك. وأمير المؤمنين يستغفر اللَّه من إجرائه ما كان يجري عليك، ولا يتخوّف على نفسه اقتراف المآثم في الذي أحدث من قطع ما قطع ومحو من محا من صحابتك، لأمرين: أمّا أحدهما فإنّ أمير المؤمنين يعلم مواضعك التي كنت تصرف إليها ما يجريه عليك.

  وأما الآخر فإثبات صحابتك وأرزاقهم دارّة عليهم لا ينالهم ما نال المسلمين عند قطع البعوث عليهم وهم معك تجول بهم في سفهك. وأمير المؤمنين / يرجو أن يكفّر اللَّه عنه ما سلف من إعطائه إيّاك باستئنافه قطعه عنك. وأما ابن سهيل، فلعمري لئن كان نزل منك بحيث يسوءك ما جرى عليه لما جعله اللَّه لذلك أهلا. وهل زاد ابن سهيل، للَّه أبوك، على أن كان زفّانا⁣(⁣٢) مغنيّا قد بلغ في السّفه غايته! وليس مع ذلك ابن سهيل بشرّ ممّن كنت تستصحبه في الأمور التي ينزّه أمير المؤمنين نفسه عنها مما كنت لعمري أهلا للتوبيخ فيه. وأما ما ذكرت ممّا سبّبه اللَّه لك، فإن اللَّه قد ابتدأ أمير المؤمنين بذلك واصطفاه له، واللَّه بالغ أمره. ولقد أصبح أمير المؤمنين وهو على يقين من رأيه إلَّا أنه لا يملك لنفسه مما أعطاه اللَّه من كرامته ضرّا ولا نفعا، وإن اللَّه وليّ ذلك منه وإنه لا بدّ له من مفارقته، وإنّ اللَّه أرأف بعباده وأرحم من أن يولَّي أمرهم غير من يرتضيه لهم منهم. وإن أمير المؤمنين مع حسن ظنّه بربّه لعلى أحسن الرجاء لأن يولَّيه بسبب ذلك لمن هو أهله في الرّضا به لهم؛ فإنّ بلاء اللَّه عند أمير المؤمنين أعظم من أن يبلغه ذكره أو يوازيه شكره إلَّا بعون منه. ولئن كان قد قدر اللَّه لأمير المؤمنين وفاة تعجيل، فإن في الذي هو مفض وصائر إليه من كرامة اللَّه لخلفا / من الدنيا. ولعمري إن كتابك لأمير المؤمنين بما كتبت به لغير مستنكر من سفهك وحمقك، فأبق على نفسك وقصّر من غلوائها وأربع على ظلعك؛ فإنّ للَّه سطوات وغيرا يصيب بها من يشاء من عباده.

  وأمير المؤمنين يسأل اللَّه العصمة والتوفيق لأحبّ الأمور إليه وأرضاها له. وكتب في أسفل الكتاب:

  إذا أنت سامحت الهوى قادك الهوى ... إلى بعض ما فيه عليك مقال

  والسلام.

  بشر بالخلافة بعد موت هشام

  : أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن الحارث الخرّاز، وأخبرني أحمد بن عبد العزيز قال حدّثنا عمر بن شبّة عن المدائنيّ عن جويرية بن أسماء⁣(⁣٣) عن المنهال بن عبد الملك عن إسحاق بن أيّوب كلَّهم عن أبي الزّبير المنذر بن عمرو - قال: وكان كاتبا للوليد بن يزيد - قال:

  أرسل إليّ الوليد صبيحة اليوم الذي أتته فيه الخلافة فأتيته؛ فقال لي: يا أبا الزّبير، ما أتت عليّ ليلة أطول من هذه الليلة، عرضتني أمور وحدّثت نفسي فيها بأمور، وهذا الرجل قد أولع بي، فاركب بنا نتنفّس. فركب وسرت معه، فسار ميلين ووقف على تلّ فجعل يشكو هشاما، إذ نظر إلى رهج⁣(⁣٤) قد أقبل - قال عمر بن شبّة في حديثه -


(١) الهبوة: الغبرة.

(٢) الزفن: الرقص.

(٣) كذا ورد هذا الاسم في جميع الأصول فيما سبق، وهو الموافق لما جاء في «تهذيب التهذيب» و «الطبري» في عدّة مواضع. وقد ورد هنا في هذا الموضع: «جويرية بن إسماعيل» وهو تحريف.

(٤) الرهج (بفتح فسكون ويحرك): الغبار.