1 - أخبار الوليد بن يزيد ونسبه
  وسمع قعقعة البريد، فتعوّذ باللَّه من شرّ هشام، وقال: إن هذا البريد قد أقبل بموت وحيّ(١) أو بملك عاجل.
  فقلت: لا يسوءك اللَّه أيها الأمير بل يسرّك ويبقيك، إذ بدا رجلان على البريد يقبلان، أحدهما مولَّى لآل أبي سفيان بن حرب؛ فلما قربا رأيا الوليد فنزلا يعدوان حتى دنوا فسلَّما عليه بالخلافة فوجم، وجعلا يكرران عليه التسليم بالخلافة؛ فقال: ويحكم! ما الخبر؟ أمات هشام؟ قالا نعم؛ قال: فمرحبا بكما! ما معكما؟ قالا: كتاب مولاك سالم بن عبد الرحمن؛ فقرأ الكتاب وانصرفنا. وسأل عن عيّاض بن مسلم كاتبه الذي كان هشام ضربه وحبسه، فقالا: يا أمير المؤمنين، لم يزل محبوسا حتى نزل بهشام أمر اللَّه، فلمّا صار إلى حال لا تزجى الحياة لمثله معها، أرسل عياض إلى الخزّان: احتفظوا بما في أيديكم فلا يصلنّ أحد إلى / شيء. وأفاق هشام إفاقة فطلب شيئا فمنعه، فقال: أرانا كنّا خزّانا للوليد؛ وقضى من ساعته. فخرج عياض من السجن ساعة قضى هشام، فختم الأبواب والخزائن؛ وأمر بهشام فأنزل عن فراشه ومنعهم أن يكفّنوه من الخزائن، فكفّنه غالب مولى هشام، ولم يجدوا قمقما(٢) حتى استعاروه. وأمر الوليد بأخذ ابني هشام بن إسماعيل المخزوميّ، فأخذا بعد أن عاذ إبراهيم بن هشام بقبر يزيد بن عبد الملك؛ فقال الوليد: ما أراه إلَّا قد نجا؛ فقال له يحيى بن عروة بن الزّبير وأخوه عبد اللَّه: إن اللَّه لم يجعل قبر أبيك معاذا للظالمين، فخذه برّد ما في يده من مال اللَّه؛ فقال: صدقت، وأخذهما فبعث بهما إلى يوسف بن عمر، وكتب إليه أن يبسط عليهما العذاب حتى يتلفا، ففعل ذلك بهما وماتا جميعا في العذاب بعد أن أقيم إبراهيم بن هشام للناس حتى اقتضوا(٣) منه المظالم.
  وقال عمر بن شبّة في خبره: إنه لمّا نعي له هشام قال: واللَّه لأتلقّينّ هذه النعمة بسكرة قبل الظهر؛ ثم أنشأ يقول:
  طاب يومي ولذّ شرب السّلافه ... إذ أتاني نعيّ من بالرّصافه
  / وأتانا البريد ينعي هشاما ... وأتانا بخاتم للخلافة
  فاصطبحنا من خمر عانة(٤) صرفا ... ولهونا بقينة عزّافه
  ثم خلف ألَّا يبرح موضعه حتى يغنّى في هذا الشعر ويشرب عليه؛ فغنّي له فيه وشرب وسكر، ثم دخل فبويع له بالخلافة.
  / قال: وسمع صياحا، فسأل عنه، فقيل له: هذا من دار هشام يبكيه بناته؛ فقال:
  إني سمعت بليل ... ورا المصلَّى برنّه
  إذا بنات هشام ... يندبن والدهنّه
  يندبن فرما جليلا ... قد كان يعضدهنّه
(١) كذا في ب، ح، والوحيّ: السريع. وفي سائر الأصول: «بموت حيّ».
(٢) القمقم: إناء من نحاس يسخن فيه الماء.
(٣) كذا في ب، س. وفي سائر النسخ: «اقتصوا» بالصاد المهملة.
(٤) عانة: بلدة على الفرات تنسب إليها الخمر العانية. قال زهير:
كأن ريقتها بعد الكرى اغتبقت ... من خمر عانة لما بعد أن عنقا