كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

2 - ذكر أخبار عمر الوادي ونسبه

صفحة 63 - الجزء 7

  يحسبونه نائما، فرفع رأسه إلى الوليد فقال له: وأنا جامع لذّات أمّك؛ فغضب الوليد وهمّ به؛ فقال له عمر الوادي:

  جعلني اللَّه فداك! ما يعقل أبو رقيّة وهو صاح، فكيف يعقل وهو سكران! فأمسك عنه.

  سمع غناء من راع أخذه عنه ومدحه

  : قال إسحاق: وحدّثت عن عمر الوادي قال: بينا أنا أسير ليلة بين العرج⁣(⁣١) والسّقيا سمعت إنسانا يغنّي غناء لم أسمع قطَّ أحسن منه وهو:

  صوت

  وكنت إذا ما جئت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها

  من الخفرات البيض ودّ جليسها ... إذا ما انقضت أحدوثة لو تعيدها

  فكدت أسقط عن راحلتي طربا؛ فقلت: واللَّه لألتمسنّ الوصول إلى هذا الصوت ولو بذهاب عضو من أعضائي حتى هبطت من الشّرف⁣(⁣٢)، فإذا أنا برجل يرعى غنما وإذا هو صاحب الصوت، فأعلمته الذي أقصدني إليه وسألته إعادته عليّ؛ فقال: واللَّه لو كان عندي قرى ما فعلت، ولكني أجعله قراك، فربما ترنّمت به / وأنا جائع فأشبع، وكسلان فأنشط ومستوحش فآنس؛ فأعاده عليّ مرارا حتى أخذته، فو اللَّه ما كان لي كلام غيره حتى دخلت المدينة، ولقد وجدته كما قال. حدّثني بهذا الخبر الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثني الزّبير بن بكَّار قال حدّثني المؤمّل بن طالوت الواديّ قال حدّثني مكين العذريّ قال: سمعت عمر الواديّ يقول: بينا أنا أسير بين الرّوحاء⁣(⁣٣) والعرج، ثم ذكر مثله، وقال فيه: فربما ترنّمت به وأنا غرثان فيشبعني، ومستوحش فيؤنسني، وكسلان فينشّطني.

  قال: فما كان زادي حتى ولجت المدينة غيره⁣(⁣٤)، وجرّبت ما وصفه الراعي فيه فوجدته كما قال.

  نسبة هذا الصوت

  صوت

  لقد هجرت سعدى وطال صدودها ... وعاود عيني دمعها وسهودها

  وكنت إذا ما زرت سعدى بأرضها ... أرى الأرض تطوى لي ويدنو بعيدها

  منعّمة لم تلق بؤس معيشة ... هي الخلد في الدنيا لمن يستفيدها

  هي الخلد ما دامت لأهلك جارة ... وهل دام في الدنيا لنفس خلودها

  الشعر لكثيّر. والغناء لابن محرز ثقيل أوّل مطلق بالبنصر عن يحيى المكيّ. وذكر الهشاميّ أنّ فيه ليزيد


(١) العرج: عقبة بين مكة والمدينة على جادة الحاج تذكر مع السقيا.

(٢) الشرف: المكان العالي.

(٣) الروحاء: موضع بين مكة والمدينة، أوّل من سماها بذلك تبع، قال ابن الكلبيّ: لما رجع تبع من قتال أهل المدينة يريد مكة نزل بالروحاء فأقام بها وأراح فسماها الروحاء، وقيل فيها غير ذلك. (انظر ياقوت في الكلام عليها).

(٤) في أ، ء، م: «غيرهما».