2 - ذكر أخبار عمر الوادي ونسبه
  وكيف بظلم جارية ... ومنها اللَّين(١) والرّحم
  فخلوت في بعض المجالس، فما زلت أديره حتى استقام، ثم خرجت إليه وعلى رأسه وصيفة، بيدها كأس وهو يروم [أن](٢) يشربها(٣) فلا يقدر خمارا؛ فقال: ما صنعت؟ فقلت: فرغت ممّا أمرتني به؛ / وغنّيته، فصاح:
  أحسنت واللَّه! ووثب قائما على رجليه وأخذ الكأس واستدناني فوضع يده اليسرى عليّ متّكئا والكأس في يده اليمنى؛ ثم قال لي: أعد بأبي أنت وأمّي! فأعدته عليه فشرب ودعا بثانية(٤) وثالثة ورابعة وهو على حاله يشرب قائما حتى كاد أن يسقط تعبا؛ ثم جلس ونزع الخاتم والحلَّة التي كانت عليه، فقال: واللَّه العظيم لا تبرح هكذا حتى أسكر؛ فما زلت أعيده عليه ويشرب حتى مال على جنبه سكرا فنام.
  سبق عبد المطلب بن عبد اللَّه بينه وبين أشعب وأبي رقية في وجز
  : أخبرني محمد بن مزيد قال حدّثنا حمّاد عن أبيه عن غرير(٥) بن طلحة الأرقمي عن أبي الحكم عبد المطلب بن عبد اللَّه بن يزيد بن عبد الملك قال: واللَّه إني لبآلعقيق في قصر القاسم بن عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان بن عفّان وعندي أشعب وعمر الوادي / وأبو رقيّة، إذ دعوت بدينار فوضعته بين يديّ وسبّقتهموه في رجز فكان أوّل من خسق عمر الوادي(٦) فقال:
  أنا ابن داود أنا ابن زاذان ... أنا ابن مولى عمرو بن عثمان(٧)
  ثم خسق أبو رقيّة فقال:
  أنا ابن عامر القاري ... أنا ابن أوّل أعجمي
  تقدّم في مسجد رسول اللَّه ﷺ. ثم خسق أشعب فقال:
  أنا ابن أمّ الخلنداج ... أنا ابن المحرّشة بين أزواج
  النبيّ ﷺ. قال أبو الحكم: فقلت له: أي أخزاك اللَّه، هل سمعت أحدا قطَّ فخر بهذا! فقال: وهل فخر أحد بمثل فخري! لولا أن أمّي كانت عندهنّ ثقة ما قبلن منها حتى يغضب بعضهنّ على بعض.
(١) كذا في ح و «اللسان» (مادة رحم). وقد وردت في سائر الأصول محرّفة. والرحم: العطف والرحمة.
(٢) ليست بالأصول.
(٣) في الأصول: «يشربه»، والكأس مؤنثة.
(٤) في الأصول: «بثان وثالث ورابع».
(٥) كذا فيء و «شرح القاموس» وفيما تقدم من «الأغاني» (ج ٣ ص ٣٤٨ من هذه الطبعة). وفي سائر الأصول: «عزيز»، وهو تصحيف.
(٦) الخسق: الرمي بالسهم. وقد وردت هذه الكلمة على وجه الاستعارة لمقام الرهان الوارد في هذه القصة.
(٧) هذه الأرجاز الثلاثة ليست متزنة اتزّانا عروضيا. ولعله كلام يقصد به إلى الهزل والمزاح أكثر مما يقصد به إلى الجد. لأن أشعب لم يعرف عنه أنه كان شاعرا بل كان مزاحا صاحب نوادر، وأبو رقية رجل ضعيف العقل، وعمر مغن وليس بشاعر.