كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه

صفحة 186 - الجزء 1

  للحجبيّ رملا بالبنصر.

  شعر عمر حين هجرته الثريا

  قالوا: فلمّا هجرت الثّريّا عمر قال في ذلك:

  من رسولي إلى الثّريّا فإنّي⁣(⁣١) ... ضقت ذرعا⁣(⁣٢) بهجرها والكتاب⁣(⁣٣)

  فبلغ ابن أبي عتيق قوله، فمضى حتى أصلح بينهما. وهذه الأبيات تذكر مع ما فيها من الغناء ومع خبر إصلاح ابن أبي عتيق بينهما بعد انقضاء خبر رملة التي ذكرها عمر في شعره.

  قال مصعب بن عبد اللَّه في خبره: وكانت رملة جهمة⁣(⁣٤) الوجه، عظيمة الأنف، حسنة الجسم، وتزوّجها عمر بن عبيد اللَّه بن معمر، وتزوّج عائشة بنت طلحة بن عبيد اللَّه وجمع بينهما، فقال يوما لعائشة: فعلت في محاربة الخوارج مع أبي فديك⁣(⁣٥) كذا، وصنعت كذا، يذكر لها شجاعته وإقدامه. فقالت له عائشة: أنا أعلم أنّك / أشجع الناس، وأعرف لك يوما هو أعظم من هذا اليوم الذي ذكرته. قال: وما هو؟ قالت: يوم اجتليت⁣(⁣٦) رملة وأقدمت على وجهها وأنفها.

  قال مصعب وحدّثني يعقوب بن إسحاق قال: لمّا بلغ الثّريا قول عمر بن أبي ربيعة [في رملة⁣(⁣٧)]:

  /

  وجلا بردها وقد حسرته ... نور بدر يضيء للناظرينا

  قالت: أفّ له ما أكذبه! أو ترتفع⁣(⁣٨) حسناء بصفته لها بعد رملة! وذكر ابن أبي حسّان عن الرّياشيّ عن العبّاس بن بكَّار عن ابن دأب: أن هذا الشعر قاله عمر في امرأة من بني جمح كان أبوها من أهل مكة، فولدت له جارية لم يولد مثلها بالحجاز حسنا. فقال أبوها: كأنّي بها وقد


(١) في «ديوانه»: «بأني».

(٢) الذرع: الطاقة؛ يقال: ضاق بالأمر ذرعه وضاق به ذرعا، إذا ضعفت طاقته عن احتماله ولم يجد منه مخلصا.

(٣) في «الكامل» للمبرّد طبع ليپزج ص ٣٧٩: «وقوله: ضقت ذرعا يهجرها والكتاب، قوله» والكتاب «قسم». على أنه يحتمل أن يكون: ضقت ذرعا بهجرها ومكاتبتها.

(٤) الوجه الجهم: الغليظ في سماجة.

(٥) هو رأس من رؤوس الخوارج، واسمه عبد اللَّه بن ثور بن قيس بن ثعلبة بن تغلب، غلب على البحرين في سنة اثنين وسبعين من الهجرة، وقتل نجدة بن عامر الحنفيّ أحد رؤوس الخوارج بعد أن كان بايعه، ثم كان ممن اختلفوا على نجدة لأمور نقموها عليه.

وبعث إليه خالد بن عبد اللَّه القسري أخاه أمية بن عبد اللَّه في جند كثيف فهزمه أبو فديك، فكتب خالد بذلك إلى عبد الملك بن مروان، فوجه عبد الملك عمر بن عبيد اللَّه بن معمر لقتال أبي فديك وأمره أن يندب معه من أحب من أهل البصرة وأهل الكوفة، فندب منهم عشرة آلاف وسار إلى البحرين فقاتلوا أبا فديك وأصحابه وقتلوا أبا فديك واستباحوا عسكره، وقتلوا منهم نحوا من ستة آلاف وأسروا ثمانمائة، ثم انصرفوا إلى البصرة. (انظر «الكامل» لابن الأثير طبع أوروبا ج ٤ ص ٢٨١ وكتاب «الملل والنحل» للشهرستاني طبع مصر ص ٤٥ و ٤٦ و «خزانة الأدب» للبغدادي ج ٢ ص ٩٧).

(٦) اجتلى عروسه: نظر إليها مجلوّة ليلة زفافها. وفي «الأغاني» (ج ١١ من هذه الطبعة في أخبار عائشة بنت طلحة ونسبها): أن عمر بن عبيد اللَّه قال لعائشة بنت طلحة وقد أصاب منها طيب نفس: ما مرّ بي مثل يوم أبي فديك؛ فقالت له: أعدد أيامك واذكر أفضلها؛ فعدّ يوم سجستان ويوم قطريّ بفارس ونحو ذلك. فقالت عائشة: قد تركت يوما لم تكن في أيامك أشجع منك فيه. قال: وأيّ يوم؟

قالت: يوم أرخت عليها وعليك رملة الستر. تريد قبح وجهها.

(٧) زيادة في ت.

(٨) في ت: «لن ترتفع».