9 - أخبار السيد الحميري
  /
  ذكرت امرأ فرّ عن مرحب(١) ... فرار الحمار من القسور(٢)
  فأنكر ذاك جليس لكم ... زنيم أخو خلق أعور
  لحاني بحبّ إمام الهدى ... وفاروق(٣) أمّتنا الأكبر
  / سأحلق لحيته إنها ... شهود على الزّور والمنكر
  قال: فهجر واللَّه مشايخنا جميعا ذلك الرجل ولزموا محبّة السيّد ومجالسته.
  ردّ سوّار بن عبد اللَّه شهادته فهجاه
  : أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا محمد بن زكريا الغلابيّ قال حدّثنا مهديّ بن سابق.
  أن السيّد تقدّم إلى سوّار(٤) القاضي ليشهد عنده، وقد كان دافع(٥) المشهود له بذلك وقال: أعفني من الشهادة عند سوّار، وبذل له مالا فلم يعفه. فلما تقدّم إلى سوّار فشهد قال(٦): ألست المعروف بالسيّد! قال: بلى؛ قال:
  استغفر اللَّه من ذنب تجرّأت به على الشهادة عندي، قم لا أرضى بك. فقام مغضبا من مجلسه وكتب إلى سوّار رقعة فيها يقول:
  إن سوّار بن عبد الل ... هـ من شرّ القضاة
  فلما قرأها سوّار وثب عن مجلسه وقصد أبا جعفر المنصور وهو يومئذ نازل بالجسر، فسبقه السيّد إليه فأنشده:
  /
  قل للإمام الذي ينجى بطاعته ... يوم القيامة من بحبوحة(٧) النار
  لا تستعينن جزاك اللَّه صالحة ... يا خير من دبّ في حكم بسوّار
  لا تستعن بخبيث الرأي ذي صلف ... جمّ العيوب عظيم الكبر جبّار
  تضحي الخصوم لديه من تجبّره ... لا يرفعون إليه لحظ أبصار
  تيها وكبرا ولولا ما رفعت له ... من ضبعه(٨) كان عين الجائع العاري
(١) هو مرحب (كمنبر كما في «شرح القاموس») اليهودي صاحب حصن خيبر. ذكر الطبري أنه خرج يطلب البراز وقد حاصر رسول اللَّه ﷺ الحصون، فبرز له محمد بن مسلمة فقتله. وقال في رواية أخرى وافقه فيها شارح «القاموس» (مادة رحب): إن الذي قتله هو علي بن أبي طالب ¥.
(٢) القسور: الأسد.
(٣) الفاروق: الذي يفرق بين الأمور ويفصلها.
(٤) هو سوار بن عبد اللَّه التميمي العنبري قاضي البصرة وأميرها، جمع له ذلك أبو جعفر المنصور بعد عزله الهيثم بن معاوية عن إمرة البصرة، وكان سوّار يتولى قضاءها. مات سنة ١٥٧ هـ وكان عادلا. حدث أن اشتكاه قوم إلى المنصور فكشف عن ذلك فوجده باطلا فأقرّه في عمله. (انظر «النجوم الزاهرة» ج ٢ ص ٢٨ و ٣٠ طبع دار الكتب المصرية).
(٥) كذا في م. وفي سائر الأصول: «رافع» بالراء المهملة وهو تحريف.
(٦) في الأصول: «فقال».
(٧) بحبوحة المكان: وسطه.
(٨) الضبع في الأصل: وسط العضد بلحمه، وقيل: الإبط. وقد جاء في أساس البلاغة مادة «ضبع»: وأخذت بضبعيه ومددت بضبعيه إذا نعشته ونوّهت باسمه.