كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه

صفحة 190 - الجزء 1

  /

  من رسولي إلى الثريّا فإنّي ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب

  فقال ابن أبي عتيق: كلّ مملوك لي حرّ إن بلَّغها ذاك غيري. فخرج، حتى إذا كان بالمصلَّى مرّ بنصيب وهو واقف فقال: يا أبا محجن. قال لبّيك! قال: أتودع إلى سلمى⁣(⁣١) شيئا؟ قال: نعم. قال: وما ذاك؟ قال: تقول لها يا بن الصّدّيق: إنك مررت بي فقلت لي أتودع إليها شيئا، فقلت:

  أتصبر عن سلمى وأنت صبور ... وأنت بحسن العزم منك جدير

  وكدت ولم أخلق من الطير إن بدا ... سنى بارق نحو الحجاز أطير

  قال: فمرّ بسلمى وهي في قرية يقال لها «القسريّة⁣(⁣٢)»، فأبلغها الرّسالة، فزفرت زفرة كادت أن تفرّق⁣(⁣٣) أضلاعها. فقال ابن أبي عتيق: كلّ مملوك لي حرّ إن لم يكن جوابك أحسن من رسالته، ولو سمعك الآن لنعق وصار غرابا. ثم مضى إلى الثريّا فأبلغ الكتاب. فقالت له: أما وجد رسولا أصغر منك! انزل فأرح⁣(⁣٤). فقال: لست / إذا برسول! وسألها أن ترضى عنه، ففعلت. وقال الزّبير في خبره: فقال لها: أنا رسول ابن أبي ربيعة إليك، وأنشدها الأبيات، وقال لها: خشيت أن تضيع هذه الرسالة. قالت: أدّى اللَّه عنك⁣(⁣٥) أمانتك. قال: فما جواب ما تجشّمته إليك؟ قالت: تنشده قوله في رملة:

  وجلا بردها وقد حسرته⁣(⁣٦) ... ضوء بدر أضاء للناظرينا

  فقال: أعيذك باللَّه يابنة أخي أن تغلبيني بالمثل السائر. قالت: وما هو؟ قال: «حريص لا يرى عمله⁣(⁣٧)».

  قالت: فما تشاء؟ قال: تكتبين إليه بالرضا عنه كتابا يصل على يدي، ففعلت. فأخذ الكتاب ورجع من فوره حتى قدم مكة، فأتى عمر. فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من حيث أرسلتني. قال: وأنّى ذلك؟ قال: من عند الثريّا،


(١) سيأتي في أخبار نصيب ص ٣٦٤ من هذا الجزء هذا الخبر بنص قريب من هذا وأن اسمها «سعدى»، وأن الشعر

أتصبر عن سعدى وأنت صبور

البيتين.

(٢) في أ، م، ء: «القشيرية» ولم نعثر عليهما في «ياقوت» و «البكري». على أن قسرا بطن من قيس، وقيسا بطن من بجيلة ينسب إليها خالد بن عبد اللَّه القسري. والقشيرية: نسبة إلى قشير وهو أبو قبيلة من هوازن، ينسب إليه أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري أحد أئمة الحديث، وصحيحه معروف مشهور.

(٣) في ح، ر: «تفرّق بين أضلاعها».

(٤) أي فأرح دابتك وأرح نفسك.

(٥) في ح، ر، ب، س: «أدّى اللَّه عن أمانتك».

(٦) ورد هذا الشطر في ت هكذا:

وجلا برد بركة جنديّ

فإن كانت هذه الرواية صحيحة فالمراد من البركة نوع من برود اليمن، كما في «شرح القاموس» (مادة «برك»)؛ قال مالك بن الريب:

إنا وجدنا طرد الهوامل ... بين الرّسيسين وبين عاقل

والمشي في البركة والمراجل ... خيرا من التأنان في المسائل

وفي «اللسان» مادتي «أنن» و «همل»: «والمسائل». والجنديّ: نسبة إلى الجند وهو أحد مخاليف اليمن. وفي أ، م، ء: «وجلا بردها بركة جندي» وهو تحريف.

(٧) قد يراد به ما يراد بالمثل الوارد في الميداني وهو: «الحريص محروم» أو «الحرص قائد الحرمان». يريد أن يقول لها: إنه لا يريد أن يحرم نتيجة عمله كما يحرم الحريص عادة.