3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه
  /
  من رسولي إلى الثريّا فإنّي ... ضقت ذرعا بهجرها والكتاب
  فقال ابن أبي عتيق: كلّ مملوك لي حرّ إن بلَّغها ذاك غيري. فخرج، حتى إذا كان بالمصلَّى مرّ بنصيب وهو واقف فقال: يا أبا محجن. قال لبّيك! قال: أتودع إلى سلمى(١) شيئا؟ قال: نعم. قال: وما ذاك؟ قال: تقول لها يا بن الصّدّيق: إنك مررت بي فقلت لي أتودع إليها شيئا، فقلت:
  أتصبر عن سلمى وأنت صبور ... وأنت بحسن العزم منك جدير
  وكدت ولم أخلق من الطير إن بدا ... سنى بارق نحو الحجاز أطير
  قال: فمرّ بسلمى وهي في قرية يقال لها «القسريّة(٢)»، فأبلغها الرّسالة، فزفرت زفرة كادت أن تفرّق(٣) أضلاعها. فقال ابن أبي عتيق: كلّ مملوك لي حرّ إن لم يكن جوابك أحسن من رسالته، ولو سمعك الآن لنعق وصار غرابا. ثم مضى إلى الثريّا فأبلغ الكتاب. فقالت له: أما وجد رسولا أصغر منك! انزل فأرح(٤). فقال: لست / إذا برسول! وسألها أن ترضى عنه، ففعلت. وقال الزّبير في خبره: فقال لها: أنا رسول ابن أبي ربيعة إليك، وأنشدها الأبيات، وقال لها: خشيت أن تضيع هذه الرسالة. قالت: أدّى اللَّه عنك(٥) أمانتك. قال: فما جواب ما تجشّمته إليك؟ قالت: تنشده قوله في رملة:
  وجلا بردها وقد حسرته(٦) ... ضوء بدر أضاء للناظرينا
  فقال: أعيذك باللَّه يابنة أخي أن تغلبيني بالمثل السائر. قالت: وما هو؟ قال: «حريص لا يرى عمله(٧)».
  قالت: فما تشاء؟ قال: تكتبين إليه بالرضا عنه كتابا يصل على يدي، ففعلت. فأخذ الكتاب ورجع من فوره حتى قدم مكة، فأتى عمر. فقال له: من أين أقبلت؟ قال: من حيث أرسلتني. قال: وأنّى ذلك؟ قال: من عند الثريّا،
(١) سيأتي في أخبار نصيب ص ٣٦٤ من هذا الجزء هذا الخبر بنص قريب من هذا وأن اسمها «سعدى»، وأن الشعر
أتصبر عن سعدى وأنت صبور
البيتين.
(٢) في أ، م، ء: «القشيرية» ولم نعثر عليهما في «ياقوت» و «البكري». على أن قسرا بطن من قيس، وقيسا بطن من بجيلة ينسب إليها خالد بن عبد اللَّه القسري. والقشيرية: نسبة إلى قشير وهو أبو قبيلة من هوازن، ينسب إليه أبو الحسن مسلم بن الحجاج بن مسلم القشيري أحد أئمة الحديث، وصحيحه معروف مشهور.
(٣) في ح، ر: «تفرّق بين أضلاعها».
(٤) أي فأرح دابتك وأرح نفسك.
(٥) في ح، ر، ب، س: «أدّى اللَّه عن أمانتك».
(٦) ورد هذا الشطر في ت هكذا:
وجلا برد بركة جنديّ
فإن كانت هذه الرواية صحيحة فالمراد من البركة نوع من برود اليمن، كما في «شرح القاموس» (مادة «برك»)؛ قال مالك بن الريب:
إنا وجدنا طرد الهوامل ... بين الرّسيسين وبين عاقل
والمشي في البركة والمراجل ... خيرا من التأنان في المسائل
وفي «اللسان» مادتي «أنن» و «همل»: «والمسائل». والجنديّ: نسبة إلى الجند وهو أحد مخاليف اليمن. وفي أ، م، ء: «وجلا بردها بركة جندي» وهو تحريف.
(٧) قد يراد به ما يراد بالمثل الوارد في الميداني وهو: «الحريص محروم» أو «الحرص قائد الحرمان». يريد أن يقول لها: إنه لا يريد أن يحرم نتيجة عمله كما يحرم الحريص عادة.