كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

10 - أخبار عبد الله بن علقمة وحبيشة

صفحة 209 - الجزء 7

  أخبرنا محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا سعد بن أبي نصر قال حدّثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن نوفل بن مساحق عن رجل من مزينة يقال له ابن عاصم⁣(⁣١) عن أبيه قال:

  بعثنا رسول اللَّه في سريّة وأمرنا ألَّا نقتل أحدا إن رأينا مسجدا أو سمعنا أذانا - قال وكيع وأخبرني أحمد بن أبي خيثمة قال حدّثنا إبراهيم بن بشّار الرّماديّ قال حدّثنا سفيان بن عيينة عن عبد الملك بن نوفل عن ابن عاصم هذا عن أبيه بهذا الحديث قال -:

  فبينا نحن نسير إذا بفتى يسوق ظعائن؛ فعرضنا عليه الإسلام فإذا هو لا يعرفه؛ فقال: ما أنتم صانعون بي إن لم أسلم؟ قلنا: نحن قاتلوك. قال: فدعوني ألحق هذه الظعائن، فتركناه؛ فأتى هودجا منها وأدخل رأسه فيه وقال:

  اسلمي حبيش، قبل نفاد العيش. فقالت: وأنت فاسلم تسعا وترا، وثمانيا تترى، وعشرا أخرى. فقال لها:

  فلا ذنب لي قد قلت إذ نحن جيرة ... أثيبي بودّ قبل إحدى البوائق

  أثيبي بودّ قبل أن تشحط النّوى ... وينأى أمير بالحبيب المفارق

  / قال: ثم جاء فضربنا عنقه. فخرجت من ذلك الهودج جارية جميلة فجنأت⁣(⁣٢) عليه، فما زالت تبكي حتى ماتت.

  حديث خالد للنبي عن غزوته بني جذيمة

  : أخبرني أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وعمرو بن عبد اللَّه العتكيّ قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:

  يروى أن خالد بن الوليد كان جالسا عند النبيّ ، فسئل عن غزوته بني جذيمة فقال: إن أذن رسول اللَّه تحدّثت. فقال: «تحدّث». فقال: لقيناهم بالغميصاء عند وجه الصبح، فقاتلناهم حتى كاد قرن الشمس يغيب، فمنحنا اللَّه أكتافهم فتبعناهم نطلبهم، فإذا بغلام له ذوائب على فرس ذنوب⁣(⁣٣) في أخريات القوم، فبوّأت⁣(⁣٤) له الرمح فوضعته بين كتفيه؛ فقال: لا إله، فقبضت عنه الرّمح؛ / فقال: إلَّا اللَّات أحسنت أو أساءت. فهمسته⁣(⁣٥) همسة أذريته وقيذا⁣(⁣٦)؛ ثم أخذته أسيرا فشددته وثاقا؛ ثم كلمته فلم يكلَّمني، واستخبرته فلم يخبرني. فلما كان ببعض الطريق رأى نسوة من بني جذيمة يسوق بهنّ المسلمون، فقال: أيا خالد! قلت: ما تشاء؟ قال: هل أنت واقفي على هؤلاء النّسوة؟! فأتيت على أصحابي ففعلت، وفيهن جارية تدعى حبيشة؛ فقال لها: ناوليني يدك فناولته يدها في ثوبها؛ فقال: اسلمي حبيش، قبل نفاد العيش. فقالت: حيّيت عشرا، وتسعا وترا، وثمانيا تترى. فقال:

  أريتك إن طالبتكم فوجدتكم ... بحلية أو أدركتكم بالخوانق

  ألم يك حقّا أن ينوّل عاشق ... تكلَّف إدلاج السّرى والودائق

  / وقد قلت إذ أهلي لأهلك جيرة ... أثيبي بودّ قبل إحدى الصّعائق


(١) في ب، س: «عصام».

(٢) جنأت عليه: أكبت عليه. وفي الأصول: «فجاءت» وهو تحريف.

(٣) الذنوب: الفرس الوافر الذنب.

(٤) بوأ الرمح: سدّده وهيأه.

(٥) همسه: أخذه أخذا شديدا وعصره.

(٦) الوقيذ: الدنف المشرف على الموت.