10 - أخبار عبد الله بن علقمة وحبيشة
  أثيبي بودّ قبل أن تشحط النّوى ... وينأ أمير بالحبيب المفارق
  فإنّي لا ضيّعت سرّ أمانتي ... ولا راق عيني بعد عينك رائق(١)
  سوى أنّ ما نال العشيرة شاغل ... عن الودّ إلا أن يكون التّوامق
  فلما جاء على حاله تلك قدّمته(٢) فضربت عنقه. فأقبلت الجارية ووضعت رأسه في حجرها وجعلت ترشفه وتقول:
  لا تبعدن يا عمرو حيّا وهالكا ... فحقّ بحسن المدح مثلك من مثلي
  لا تبعدن يا عمرو حيّا وهالكا ... فقد عشت محمود الثّنا ماجد الفعل
  فمن لطراد الخيل تشجر(٣) بالقنا ... وللفخر يوما عند قرقرة البزل(٤)
  وجعلت تبكي وتردّد هذه الأبيات حتى ماتت وإن رأسه لفي حجرها. فقال رسول اللَّه ﷺ: «لقد رفعت لي يا خالد وإن سبعين ملكا لمطيفون بك يحضّونك على قتل عمرو حتى قتلته».
  أبو السائب المخزومي وطربه بصوت شغله عن الفطور والسحور وكان صائما
  : أخبرني محمد بن العبّاس اليزيديّ قال حدّثنا أحمد بن يحيى ثعلب قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني عبد اللَّه بن المنذر عن صفيّة بنت الزبير بن هشام قالت:
  كان أبو السائب المخزوميّ رجلا صالحا زاهدا متقلَّلا يصوم الدّهر، وكان أرقّ خلق اللَّه وأشدّهم غزلا. فوجّه ابنه يوما يأتيه بما يفطر عليه، فأبطأ الغلام إلى العتمة. فلما جاء قال له: يا عدوّ نفسه، ما أخّرك إلى هذا الوقت؟
  قال: جزت بباب / بني فلان فسمعت منه غناء فوقفت حتى أخذته. فقال: هات يا بنيّ، فو اللَّه لئن كنت أحسنت لأحبونّك، ولئن كنت أسأت لأضربنّك. فاندفع يغنّي بشعر كثير:
  ولما علوا شغبا(٥) تبيّنت أنه ... تقطَّع من أهل الحجاز علائقي(٦)
  فلا زلن حسرى ظلَّعا لم حملنها ... إلى بلد ناء قليل الأصادق
  فلم يزل يغنّيه إلى نصف الليل. فقالت له زوجته: يا هذا، قد انتصف الليل وما أفطرنا. قال لها: أنت طالق إن كان
(١) في هذا البيت والذي يليه إقواء وهو اختلاف حركة الروي.
(٢) في الأصول: «فقدمته».
(٣) تشجر: تطعن.
(٤) كذا في نسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. والبزل: جمع بازل وهو البعير في السنة التاسعة. والقرقرة: دعاء الإبل، وهي أيضا هدير الفحل. وفي الأصول: «وللعجز يوما عند قرقرة البذل» وهو تحريف.
(٥) كذا في «معجم ما استعجم» للبكري ونسخة المرحوم الأستاذ الشنقيطي مصححة بوضع نقطة على العين بقلمه. وشغب: منهل بين طريق مصر والشأم. (عن «معجم ما استعجم» للبكري). وفي سائر الأصول: «شعبا» بالعين المهملة، وهو تصحيف.
(٦) كذا في «معجم ما استعجم» للبكري ونسخة الشيخ الشنقيطي مصححة بقلمه. وفي الأصول: «علائق» بدون ياء.