كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه

صفحة 192 - الجزء 1

  لم تر العين للثريّا شبيها ... بمسيل التّلاع⁣(⁣١) يوم التقينا

  فلما بلغ إلى قوله:

  ثم قالت لأختها قد ظلمنا ... إن رددناه⁣(⁣٢) خائبا واعتدينا

  قال: أحسنت والهدايا⁣(⁣٣) وأجادت. ثم أنشده ابن أبي عتيق متمثّلا قول الشاعر:

  أريني⁣(⁣٤) جوادا مات هزلا لعلَّني ... أرى ما ترين أو بخيلا مخلَّدا

  فلمّا بلغ عمر إلى قوله في الشعر:

  في خلاء من الأنيس وأمن

  / قال ابن أبي عتيق: أمكنت للشّارب⁣(⁣٥) الغدر «من عال بعدها فلا انجبر»⁣(⁣٦).

  فلمّا بلغ إلى قوله:

  فمكثنا كذاك عشرا تباعا ... في قضاء لديننا واقتضينا⁣(⁣٧)

  قال: أما واللَّه ما قضيتها ذهبا ولا فضة ولا اقتضيتها إيّاه، فلا عرّفكما اللَّه قبيحا! فلمّا بلغ إلى قوله:

  كان ذا في مسيرنا إذ حججنا ... علم اللَّه فيه ما قد نوينا


(١) التلاع: جمع تلعة وهي مجرى الماء من أعلى الوادي إلى بطون الأرض.

(٢) في «ديوانه»: «رجعناه».

(٣) في ب، س: «ردّ الهدايا» وهو تحريف؛ إذ أن الواو هنا للقسم. والهدايا: جمع هدية وهي ما يهدى إلى البيت الحرام من النعم لتنحر.

(٤) كذا فيء، س، أ، م.

وفي سائر النسخ: «أروني جوادا ... ما ترون». والبيت لحاتم الطائي يخاطب امرأته.

(٥) في ت: «أمكنت الشاب العذر». وفي أ، م، ء: «أمكنت للشارب العذر». وورد في سائر النسخ هو وما بعده بيت شعر هكذا:

أمكنت السائب الغرر ... من عال بعدها فلا انجبر

وكل ذلك تحريف. والصواب:

مكنت للشارب الغدر

وهو مأخوذ من قول عمر بن أبي ربيعة في قصيدته التي أوّلها:

يا خليلي هاجني ذكر ... وحمول الحيّ إذ صدروا

ومنها:

سلكوا خلّ الصّفاح لهم ... زجل أحداجهم زمر

قال حاديهم لهم أصلا ... أمكنت للشارب الغدر

والغدر: جمع غدير وهو القطعة من الماء يغادرها السيل أي يتركها. قال ابن سيده: هذا قول أبي عبيد، فهو إذن فعيل في معنى مفعول على اطراح الزائد. وقد قيل: إنه من الغدر لأنه يخون ورّاده فينضب عنهم، ويغدر بأهله فينقطع عند شدة الحاجة إليه. يريد أن يقول له: قد أمكنتك الفرص فانتهزها وأنت مستكنّ وإياها في خلاء من الناس وفي مأمن منهم.

(٦) هذا مثل أورده الميداني «ولسان العرب»: «من عال بعدها فلا اجتبر». يقال: جبرته فجبر وانجبر، أي استغنى. وعال: افتقر. وهو من قول عمرو بن كلثوم:

من عال منّا بعدها فلا اجتبر ... ولا سقى الماء ولا رعى الشجر

وفي «اللسان» مادة جبر:

ولا سقى الماء ولا راء الشجر

يضرب في اغتنام الفرصة عند الإمكان.

(٧) في «ديوانه»:

فقضينا ديوننا واقتضينا