3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه
  قال: إنّ ظاهر أمرك ليدلّ على باطنه، فأرود(١) التفسير، ولئن متّ لأموتنّ معك، أفّ للدنيا بعدك يا أبا الخطَّاب! فقال له عمر: بل عليها بعدك العفاء يا أبا محمد! / قال: فلقي الحارث بن خالد ابن أبي عتيق فقال: قد بلغني ما دار بينك وبين ابن أبي ربيعة، فكيف لم تتحلَّلا منّي(٢)؟ فقال له ابن أبي عتيق: يغفر اللَّه لك يا أبا عمرو، إن ابن أبي ربيعة يبرئ القرح(٣)، ويضع الهناء مواضع النّقب(٤)، وأنت جميل الخفض(٥). فضحك الحارث بن خالد وقال: «حبّك الشيء يعمي ويصمّ»(٦). فقال: هيهات أنا بالحسن عالم نظَّار!
  خبر السواد في ثنّيتي عمر
  وأمّا خبر السّواد في ثنيّتي عمر فإن الزبير بن بكَّار ذكره عن عمّه مصعب في خبره: أنّ امرأة غارت عليه فاعترضته بمسواك كان في يدها فضربت به ثنيّتيه فاسودّتا.
  وذكر إسحاق الموصليّ عن أبي عبد اللَّه(٧) المسيّبيّ وأبي الحسن المدائنيّ: أنه أتى الثريّا يوما ومعه صديق له كان يصاحبه ويتوصّل بذكره في الشعر، فلمّا كشفت الثريّا السّتر وأرادت الخروج إليه، رأت صاحبه فرجعت. فقال لها: إنه ليس ممّن أحتشمه(٨) ولا أخفي عنه شيئا؛ واستلقى فضحك - وكان النساء إذ ذاك يتختّمن في أصابعهنّ العشر - فخرجت إليه فضربته بظاهر كفّها، فأصابت الخواتيم ثنيّتيه / العليين فنغضتا(٩) وكادتا تسقطان، فقدم البصرة فعولجتا له، فثبتتا واسودّتا. فقال الحزين الكنانيّ يعيّره(١٠) بذلك - وكان عدوّه وقد بلغه خبره -:
  ما بال سنّيك أم ما بال كسرهما(١١) ... أهكذا كسرا في غير ما باس
(١) في م، أ، ء: «فأورد بالتفسير». وفي سائر النسخ عدا نسخة ت: «فأورد التفسير». وأورد إنما يتعدّى بنفسه لا بالباء. ولعل المراد قد بان لنا أمرك ودل على باطنك ظاهرك فصرّح بما كان.
وفي ت: فأرود بالتفسير. يقال: أرود به إروادا إذا رفق؛ ومنه الحديث:» رويدك رفقا بالقوارير. وهو يتعدّى بالباء. ويقال: أرود إذا ترك، وهو يتعدّى بنفسه لا بالباء وهو الذي يقتضيه سياق الكلام. فلعل الباء هنا من زيادة الناسخ. والمراد: إن ظاهر أمرك ليدل على باطنه، فدع التفسير فلا حاجة إليه.
(٢) لم تتحللا مني: لم تسألاني أن أجعلكما في حلّ.
(٣) قال الليث: القرح: جرب شديد يأخذ الفصلان فلا تكاد تنجو. والفصلان: جمع فصيل وهو ولد الناقة. وقال الأزهريّ: الذي قاله الليث من أن القرح جرب شديد الخ غلط، إنما القرحة داء يأخذ البعير فيهدل مشفره منه.
(٤) النّقب والنّقب: القطع المتفرقة من الجرب، الواحدة نقية؛ وقيل: هي أوّل ما يبدو من الجرب؛ قال دريد بن الصمة:
متبذلا تبدو محاسنه ... يضع الهناء مواضع النّقب
(٥) الخفض: الدعة.
(٦) أي يخفى عليك مساويه، ويصمّك عن سماع العذل فيه.
(٧) في ت: «عبيد اللَّه».
(٨) قال في «اللسان» و «شرح القاموس» (مادة حشم): وقد احتشم عنه ومنه؛ ولا يقال: احتشمه، فأما قول القائل: ولم يحتشم ذلك فإنه حذف «من» وأوصل الفعل. وفي أساس البلاغة: «أنا أحتشمك وأحتشم منك، أي أستحي».
(٩) كذا في ح، ر. وفي ت: «فنغضتا وخاف أن يسقطا». ونغضت سنه تنغض وتنغض: قلقت وتحرّكت. وفي سائر النسخ: «وكادت أن تقلعهما وخاف أن يسقطا».
(١٠) ستأتي ترجمته في الجزء الرابع عشر من «الأغاني».
(١١) في ت: «أم ما شأن حسنهما».