كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جرير

صفحة 274 - الجزء 8

  أبلغ تميما غثّها وسمينها ... والحكم يقصد مرّة ويجور

  أنّ الفرزدق برّزت أعراقه ... سبقا وخلَّف في الغبار جرير

  / ذهب الفرزدق بالفضائل⁣(⁣١) والعلا ... وابن المراغة مخلف محسور

  هذا قضاء البارقيّ وإنني ... بالميل في ميزانهم لبصير

  قال أبو عبيدة فحدّثني أيّوب بن كسيب قال حدّثني أبي قال: كنت مع جرير، فأتاه رسول بشر بن مروان فدفع إليه كتابه، وقال له: إنه قد أمرني أن أوصله إليك ولا أبرح حتى تجيب عن العشر في يومك إن لقيتك نهارا أو ليلتك إن لقيتك ليلا، وأخرج إليه كتاب بشر وقد نسخ له القصيدة وأمره بأن يجيب عنها. فأخذها ومكث ليلته يجتهد أن يقول شيئا فلا يمكنه؛ فهتف به صاحبه من الجنّ من زلوية البيت فقال له: أزعمت أنك تقول الشعر! ما هو إلَّا أن غبت عنك ليلة حتى لم تحسن أن تقول شيئا⁣(⁣٢)! فهلَّا قلت:

  يا بشر حقّ لوجهك التبشير ... هلَّا قضيت لنا وأنت أمير

  / فقال له جرير: حسبك كفيتك. قال: وسمع قائلا يقول لآخر: قد أنار الصبح؛ فقال جرير:

  يا صاحبيّ هل الصباح منير ... أم هل للوم عواذلي تفتير⁣(⁣٣)

  إلى أن فرغ منها. وفيها يقول:

  قد كان حقّك أن تقول لبارق ... يا آل بارق فيم سبّ جرير

  يعطى النساء مهورهنّ كرامة ... ونساء بارق مالهنّ مهور

  فأخذها الرسول ومضى بها إلى بشر، فقرئت بالعراق وأفحم سراقة فلم ينطق بعدها بشيء من مناقضته.

  مناقضته عمر بن لجأ وسبب ذلك

  : أخبرني أبو خليفة قال حدّثني محمد بن سلَّام حدّثني أبو يحيى الضّبّيّ قال:

  كان الذي هاج الهجاء بين جرير وعمر بن لجأ أن عمر كان ينشد أرجوزة له يصف فيها إبله وجرير حاضر، فقال فيها:

  قد وردت قبل إنا ضحائها ... تفرّس الحيّات في خرشائها⁣(⁣٤)

  [جرّ العجوز الثّني من ردائها⁣(⁣٥)] فقال له جرير: أخفقت. فقال: كيف أقول؟ قال تقول:

  جرّ العروس الثّني من ردائها


(١) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «بالقصائد».

(٢) في ج: «حتى لم تحسن أن تجيب عنها».

(٣) الفتور والتفتير: السكون بعد الحدة واللين بعد الشدّة. وفتر (بالتضعيف) يتعدى ويلزم.

(٤) الأنا (بفتح الهمزة وكسرها): الوقت. والضحاء: الضحى. وتفرس: تقتل. والخرشاء: جلد الحية.

(٥) التكملة عن ابن سلام ص ١٠١ طبع أوروبا.