جرير
  /
  تمسّح يربوع سبالا لئيمة ... بها من منيّ العبد رطب ويابس(١)
  قال: ثم اجتمع جرير وابن لجأ بالمدينة وقد وردها الوليد بن عبد الملك، وكان يتألَّه(٢) في نفسه، فقال: أتقذفان المحصنات وتغضبانهنّ! ثم أمر أبا بكر محمد بن حزم / الأنصاريّ - وكان واليا له بالمدينة - بضربهما، فضربهما وأقامهما على البلس(٣) مقرونين، والتّيميّ يومئذ أشبّ من جرير، فجعل يشول(٤) بجرير وجرير يقول وهو المشول به:
  فلست مفارقا قرنيّ حتى ... يطول تصعّدي بك وانحداري
  فقال ابن لجأ:
  ولمّا أن قرنت إلى جرير ... أبى ذو بطنه(٥) إلَّا انحدارا
  فقال له قدامة بن إبراهيم الجمحيّ: وبئسما قلت! جعلت نفسك المقرون إليه! قال: فكيف أقول؟ قال تقول:
  ولمّا لزّ في قرني جرير فقال: جزيت خيرا، لا أقوله واللَّه أبدا إلا هكذا.
  هو والأخطل في حضرة عبد الملك ابن مروان
  : حدّثني محمد بن عمران الصّيرفيّ قال حدّثنا العنزيّ قال حدّثني محمد بن عبد اللَّه العبديّ قال حدّثني عمارة بن عقيل عن أبيه قال:
  وقف جرير على باب عبد الملك بن مروان والأخطل داخل عنده، وقد كانا تهاجيا ولم يلق أحدهما صاحبه.
  فلما استأذنوا لجرير أذن له فسلَّم وجلس، وقد عرفه الأخطل، فطمح بصر جرير إليه فقال له: من أنت؟ فقال: أنا الذي منعت نومك وهضمت قومك. فقال له جرير: ذاك أشقى لك كائنا من كنت. ثم أقبل على عبد الملك فقال:
  من هذا يا أمير المؤمنين؟ فضحك وقال: هذا الأخطل يا أبا حزرة. فردّ بصره إليه وقال: فلا حيّاك اللَّه يا بن النصرانية! أمّا / منعك نومي فلو نمت عنك لكان خيرا لك. وأما تهضّمك قومي فكيف تهضّمهم وأنت ممن ضربت عليهم الذّلَّة والمسكنة وباؤا بغضب من اللَّه!. إيذن لي يا أمير المؤمنين في ابن النصرانيّة. فقال: لا يكون ذلك بين يديّ. فوثب جرير مغضبا. فقال عبد الملك: قم يا أخطل واتبع صاحبك؛ فإنما قام غضبا علينا فيك؛ فنهض الأخطل. فقال عبد الملك لخادم له: انظر ما يصنعان إذا برز له الأخطل. فخرج جرير فدعا بغلام له فقدّم إليه حصانا له أدهم فركبه وهدر والفرس يهتزّ من تحته، وخرج الأخطل فلاذ بالباب وتوارى خلفه، ولم يزل واقفا حتى مضى جرير. فدخل الخادم إلى عبد الملك فأخبره؛ فضحك وقال: قاتل اللَّه جريرا! ما أفحله! أما واللَّه لو كان النصرانيّ برز إليه لأكله.
(١) لهذا قصة بسطها أبو الفرج في ترجمة الأخطل في الصفحتين السابقتين.
(٢) التأله: التنسك والتعبد.
(٣) البلس: غرائر كبار من مسوح يجعل فيها التين ويشهر عليها من ينكل به وينادى عليه.
(٤) يشول به: يرتفع به.
(٥) ذو البطن: الرجيع.