كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جرير

صفحة 278 - الجزء 8

  وهي قصيدة، فاجتمعوا على عمر بن يزيد. ولم يزالوا به حتى خلعوا المرأة منه.

  استشفع عنبسة بن سعيد إلى الحجاج ثم أنشده فأجازه

  : أخبرني محمد بن خلف قال حدّثني محمد بن الهيثم قال حدّثني عمّي أبو فراس قال حدّثني ودقة بن معروف قال:

  نزل جرير على عنبسة⁣(⁣١) بن سعيد بواسط، ولم يكن أحد يدخلها إلا بإذن الحجّاج. فلما دخل على عنبسة، قال له: ويحك! لقد غرّرت بنفسك! فما حملك على ما فعلت؟ قال: شعر قلته اعتلج في صدري وجاشت به نفسي وأحببت أن يسمعه الأمير. قال: فعنّفه وأدخله بيتا في جانب داره وقال: لا تطلعنّ رأسك حتى ننظر كيف تكون الحيلة لك. قال: فأتاه رسول الحجّاج من ساعته يدعوه في يوم قائظ، وهو قاعد في الخضراء⁣(⁣٢) وقد صبّ فيها ماء استنقع⁣(⁣٣) في أسفلها وهو قاعد على سرير وكرسيّ موضوع ناحية. قال عنبسة: فقعدت على الكرسيّ، وأقبل عليّ الحجّاج يحدّثني. فلما رأيت تطلَّقه وطيب نفسه قلت: أصلح اللَّه الأمير! رجل من شعراء العرب قال فيك شعرا أجاد فيه، فاستخفّه عجبه به حتى دعاه إلى أن رحل إليك ودخل مدينتك من غير أن يستأذن له. قال: ومن هو؟

  قلت: ابن الخطفى. قال: وأين هو؟ قلت: في المنزل. قال: يا غلام! فأقبل الغلمان يتسارعون. قال: صف لهم موضعه من دارك؛ فوصفت لهم البيت الذي هو فيه، فانطلقوا حتى جاؤوا به، فأدخل عليه وهو مأخوذ بضبعيه حتى رمي به في الخضراء، فوقع على وجهه في الماء ثم قام يتنفّش كما يتنفش الفرخ. فقال له: هيه! ما أقدمك علينا بغير إذننا / لا أمّ لك؟ قال: اصلح اللَّه الأمير! قلت في الأمير شعرا لم يقل مثله أحد، فجاش به صدري وأحيبت أن يسمعه منّي الأمير، فأقبلت به إليه. قال: فتطلَّق الحجّاج وسكن، واستنشده فأنشده. ثم قال: يا غلام! فجاؤوا يسعون. فقال: عليّ بالجارية / التي بعث بها إلينا عامل اليمامة؛ فأتي بجارية بيضاء مديدة القامة. فقال: إن أصبت صفتها فهي لك. فقال: ما اسمها؟ قال: أمامة؛ فأنشأ يقول:

  ودّع أمامة حان منك رحيل ... إنّ الوداع لمن تحبّ قليل

  مثل الكثيب تهيّلت أعطافه ... فالريح تجبر متنه وتهيل

  تلك القلوب صواديا تيّمتها ... وأرى الشفاء وما إليه سبيل

  فقال: خذ بيدها. فبكت الجارية وانتحبت. فقال: ادفعوها إليه بمتاعها وبغلها ورحالها.

  أمره الحجاج وأمر الفرزدق بأن يدخلا عليه بلباس آبائهما في الجاهلية

  : أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلام قال حدّثني أبو الغرّاف قال:

  قال الحجّاج لجرير والفرزدق وهو في قصره بجزيز⁣(⁣٤) البصرة: ائتياني في لباس آبائكما في الجاهليّة. فلبس


(١) هو عنبسة بن سعيد بن العاص أحد أشراف بني أمية، حبسه عبد الملك بن مروان يوم قتل أخيه عمرو بن سعيد الأشدق. (انظر الطبري ق ٢ ص ٧٩٢، ٨٦٩، ٨٧١ طبع أوروبا).

(٢) المراد بها خضراء واسط، وتعرف بالقبة الخضراء، بناها الحجاج مع قصره والمسجد الجامع بهذه المدينة. (راجع المجلد السابع من المكتبة الجغرافية ص ٣٢٢ طبع أوروبا).

(٣) استنقع الماء: اجتمع.

(٤) كذا في ج و «معجم ما استعجم» للبكري ومعجم ياقوت. وحزيز: موضع بالبصرة بين العقيق وأعلى المربد. وقد ورد محرّفا في جميع الأصول.