كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جرير

صفحة 279 - الجزء 8

  الفرزدق الدّيباج والخزّ وقعد في قبّة. وشاور جرير دهاة بني يربوع فقالوا له: ما لباس آبائنا إلَّا الحديد؛ فلبس جرير درعا وتقلَّد سيفا وأخذ رمحا وركب فرسا لعبّاد بن الحصين يقال له المنحاز⁣(⁣١) وأقبل في أربعين فارسا من بني يربوع، وجاء الفرزدق في هيئته؛ فقال جرير:

  لبست سلاحي والفرزدق لعبة ... عليه وشاحا كرّج⁣(⁣٢) وجلاجله⁣(⁣٣)

  / أعدّوا مع الحلي⁣(⁣٤) الملاب⁣(⁣٥) فإنما ... جرير لكم بعل وأنتم حلائله

  ثم رجعا، فوقف جرير في مقبرة بني حصن ووقف الفرزدق في المربد. قال: فأخبرني أبي عن محمد بن زياد قال:

  كنت أختلف إلى جرير والفرزدق، وكان جرير يومئذ كأنه أصغرهما في عيني.

  هجا الفرزدق حين نوى أن ينال جائزة المهاجر فثناه عن ذلك

  : أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلَّام قال حدّثنا أبو اليقظان عن جويرية بن أسماء قال:

  قدم الفرزدق اليمامة وعليها المهاجر بن عبد اللَّه الكلابيّ فقال: لو دخلت على هذا فأصبت منه شيئا ولم يعلم بي جرير! فلم تستقرّ به الدار حتى قال جرير:

  رأيتك إذ لم يغنك اللَّه بالغنى ... رجعت إلى قيس وخدّك ضارع

  وما ذاك إن أعطى الفرزدق باسته ... بأوّل ثغر ضيّعته مجاشع

  فلما بلغ ذلك الفرزدق قال: لا جرم واللَّه لا أدخل عليه ولا أرزؤه شيئا ولا أقيم باليمامة، ثم رحل.

  انتصار الفرزدق له على التيمي ثم صلحه مع التيمي

  : أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلَّام قال قال أبو البيداء:

  لقي الفرزدق عمر بن عطيّة أخا جرير، وهو حينئذ يهاجي ابن لجأ، فقال له: ويلك! قل لأخيك: ثكلتك أمّك! إيت التّيميّ من عل كما أصنع أنا بك. وكان الفرزدق قد أنف لجرير وحمي من أن يتعلَّق به التيميّ. قال ابن سلَّام. فأنشدني له خلف الأحمر يقوله للتّيميّ:

  وما أنت إن قرما تميم تساميا ... أخا التّيم إلا كالوشيظة⁣(⁣٦) في العظم

  / فلو كنت مولى العزّ أو في ظلاله ... ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلم

  فقال له التّيميّ:

  كذبت أنا القرم الذي دقّ مالكا ... وأفناء يربوع وما أنت بالقرم

  قال ابن سلَّام فحدّثني أبو الغرّاف: أن رجال تميم مشت بين جرير والتّيميّ وقالوا: واللَّه ما شعراؤنا إلا بلاء علينا


(١) كذا في «شرح القاموس» (مادة نحز). وفي ب، س: «المنجاز». وفي سائر الأصول: «المنحار»، وهما تصحيف.

(٢) الكرج: شيء يتخذ بهيئة المهر يلعب عليه.

(٣) كذا في اللسان (مادة كرج) والنقائض (ص ٦٥٠) وفي الأصول: «وخلاخله».

(٤) كذا في أكثر الأصول و «النقائض». وفي ب، س: «الخز».

(٥) كذا في ج والنقائض. والملاب. ضرب من الطيب. وفي ب، س: «الملاء». وفي سائر الأصول: «الملاة» وهما تحريف.

(٦) الوشيظة: قطعة عظم تكون زيادة في العظم الصميم.