جرير
  الفرزدق الدّيباج والخزّ وقعد في قبّة. وشاور جرير دهاة بني يربوع فقالوا له: ما لباس آبائنا إلَّا الحديد؛ فلبس جرير درعا وتقلَّد سيفا وأخذ رمحا وركب فرسا لعبّاد بن الحصين يقال له المنحاز(١) وأقبل في أربعين فارسا من بني يربوع، وجاء الفرزدق في هيئته؛ فقال جرير:
  لبست سلاحي والفرزدق لعبة ... عليه وشاحا كرّج(٢) وجلاجله(٣)
  / أعدّوا مع الحلي(٤) الملاب(٥) فإنما ... جرير لكم بعل وأنتم حلائله
  ثم رجعا، فوقف جرير في مقبرة بني حصن ووقف الفرزدق في المربد. قال: فأخبرني أبي عن محمد بن زياد قال:
  كنت أختلف إلى جرير والفرزدق، وكان جرير يومئذ كأنه أصغرهما في عيني.
  هجا الفرزدق حين نوى أن ينال جائزة المهاجر فثناه عن ذلك
  : أخبرني أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلَّام قال حدّثنا أبو اليقظان عن جويرية بن أسماء قال:
  قدم الفرزدق اليمامة وعليها المهاجر بن عبد اللَّه الكلابيّ فقال: لو دخلت على هذا فأصبت منه شيئا ولم يعلم بي جرير! فلم تستقرّ به الدار حتى قال جرير:
  رأيتك إذ لم يغنك اللَّه بالغنى ... رجعت إلى قيس وخدّك ضارع
  وما ذاك إن أعطى الفرزدق باسته ... بأوّل ثغر ضيّعته مجاشع
  فلما بلغ ذلك الفرزدق قال: لا جرم واللَّه لا أدخل عليه ولا أرزؤه شيئا ولا أقيم باليمامة، ثم رحل.
  انتصار الفرزدق له على التيمي ثم صلحه مع التيمي
  : أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلَّام قال قال أبو البيداء:
  لقي الفرزدق عمر بن عطيّة أخا جرير، وهو حينئذ يهاجي ابن لجأ، فقال له: ويلك! قل لأخيك: ثكلتك أمّك! إيت التّيميّ من عل كما أصنع أنا بك. وكان الفرزدق قد أنف لجرير وحمي من أن يتعلَّق به التيميّ. قال ابن سلَّام. فأنشدني له خلف الأحمر يقوله للتّيميّ:
  وما أنت إن قرما تميم تساميا ... أخا التّيم إلا كالوشيظة(٦) في العظم
  / فلو كنت مولى العزّ أو في ظلاله ... ظلمت ولكن لا يدي لك بالظلم
  فقال له التّيميّ:
  كذبت أنا القرم الذي دقّ مالكا ... وأفناء يربوع وما أنت بالقرم
  قال ابن سلَّام فحدّثني أبو الغرّاف: أن رجال تميم مشت بين جرير والتّيميّ وقالوا: واللَّه ما شعراؤنا إلا بلاء علينا
(١) كذا في «شرح القاموس» (مادة نحز). وفي ب، س: «المنجاز». وفي سائر الأصول: «المنحار»، وهما تصحيف.
(٢) الكرج: شيء يتخذ بهيئة المهر يلعب عليه.
(٣) كذا في اللسان (مادة كرج) والنقائض (ص ٦٥٠) وفي الأصول: «وخلاخله».
(٤) كذا في أكثر الأصول و «النقائض». وفي ب، س: «الخز».
(٥) كذا في ج والنقائض. والملاب. ضرب من الطيب. وفي ب، س: «الملاء». وفي سائر الأصول: «الملاة» وهما تحريف.
(٦) الوشيظة: قطعة عظم تكون زيادة في العظم الصميم.