كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جرير

صفحة 280 - الجزء 8

  ينشرون مساوينا ويهجون أحياءنا وموتانا؛ فلم يزالوا بهما حتى / أصلحوا بينهما بالعهود والمواثيق المغلَّظة ألَّا يعودا في هجاء. فكفّ التّيميّ، وكان جرير لا يزال يسلّ⁣(⁣١) الواحدة بعد الواحدة فيه؛ فيقول التّيميّ: واللَّه ما نقضت هذه ولا سمعتها؛ فيقول جرير: هذه كانت قبل الصلح.

  قال ابن سلَّام فحدّثني عثمان بن عثمان عن عبد الرحمن بن حرملة قال: لمّا ورد علينا هجاء جرير والتّيميّ، قال [لي]⁣(⁣٢) سعيد بن المسيّب تروّ⁣(⁣٣) شيئا مما قالا؛ فأتيته وقد استقبل القبلة يريد أن يكبّر، فقال لي: أرويت؟ قلت نعم. فأقبل عليّ بوجهه فأنشدته للتّيميّ وهو يقول: هيه هيه! ثم أنشدته لجرير، فقال: أكله أكله!.

  لم يؤثر هجاؤه في التيم للؤمهم

  : قال ابن سلَّام وحدّثني الرازيّ عن حجناء بن جرير قال: قلت لأبي: يا أبت، ما هجوت قوما قطَّ إلا فضحتهم إلَّا التّيم. فقال: يا بنيّ، لم أجد بناء أهدمه ولا شرفا أضعه وكانت تيم رعاء غنم يغدون في غنمهم ثم يروحون، وقد جاء كلّ رجل منهم بأبيات فينتحلها ابن لجأ. فقيل لجرير: ما صنعت في التّيم شيئا؛ فقال: إنهم شعراء لئام.

  هو أشعر عند العامة والفرزدق عند الخاصة

  : أخبرنا أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثنا عمر بن محمد بن عبد الملك الزيّات قال حدّثني ابن النطَّاح قال حدّثني أبو اليقظان قال:

  قال جرير لرجل من بني طهيّة: أيّما أشعر أنا أم الفرزدق؟ فقال له: أنت عند العامة والفرزدق عند العلماء.

  فصاح جرير: أنا أبو حرزة! غلبته وربّ الكعبة! واللَّه ما في كل مائة رجل عالم واحد.

  هو وعديّ بن الرقاع في حضرة الوليد بن عبد الملك

  : حدّثنا أحمد بن عمّار قال حدّثني عمر بن محمد بن عبد الملك قال حدّثني ابن النطَّاح قال؛ وحدّثني أبو الأخضر لمخارق بن الأخضر القيسيّ قال⁣(⁣٤): إنّي كنت واللَّه الذي لا إله إلا هو أخصّ الناس بجرير، وكان ينزل إذا قدم على الوليد بن عبد الملك عند سعيد بن عبد اللَّه بن خالد بن أسيد، وكان عديّ بن الرقاع خاصّا بالوليد مدّاحا له؛ فكان جرير يجيء إلى باب الوليد فلا يجالس أحدا من النّزاريّة ولا يجلس إلا إلى رجل من اليمن بحيث يقرب من مجلس بن الرّقاع إلى أن يأذن الوليد للناس فيدخل. فقلت له: يا أبا حزرة، اختصصت عدوّك بمجلسك! فقال: إني واللَّه ما أجلس إليه إلا لأنشده أشعارا تخزيه وتخزي قومه. قال: ولم يكن ينشده شيئا من شعره، وإنما كان ينشده شعر غيره ليذلَّه ويخوّفه نفسه. فأذن الوليد للناس ذات عشيّة فدخلوا ودخلنا، فأخذ الناس مجالسهم، وتخلَّف جرير فلم يدخل حتى دخل الناس وأخذوا مجالسهم واطمأنّوا فيها. فبينما هم كذلك إذا بجرير قد مثل بين السّماطين يقول: السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة اللَّه، إن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في ابن الرّقاع المتفرّقة أؤلَّف


(١) في الأصول «يسأل». والتصويب عن «طبقات ابن سلام» (ص ٦٢ نسخة خطية محفوظة بدار الكتب المصرية تحت رقم ٣٧ أدب ش) ويريد بذلك أنه يرسل القصيدة تلو القصيدة خفية.

(٢) التكملة عن ابن سلام.

(٣) في الأصول: «تروي» والتصحيح عن ابن سلام؛ يقال: تروي الحديث إذا نقله.

(٤) في ب، س: «قال قال».