جرير
  فجرير. وكلَّهم ذكيّ الفؤاد، رفيع العماد، واري الزّناد. فقال له مسلمة بن عبد الملك: ما سمعنا بمثلك يا خالد في الأوّلين ولا رأينا في الآخرين؛ وأشهد أنك أحسنهم وصفا، وألينهم عطفا؛ وأعفّهم مقالا، وأكرمهم فعالا. فقال خالد: أتمّ اللَّه عليكم نعمه، وأجزل لديكم قسمه؛ وآنس بكم الغربة، وفرّج بكم الكربة. وأنت، واللَّه ما علمت أيّها الأمير، كريم الغراس، عالم بالناس؛ جواد في المحل، بسّام عند البذل؛ حليم عند الطَّيش، في ذروة قريش؛ ولباب عبد شمس، ويومك خير من أمس. فضحك هشام وقال: ما رأيت كتخلَّصك يا بن صفوان في مدح هؤلاء ووصفهم حتى أرضيتهم جميعا وسلمت منهم(١).
  جرير وابن لجأ وقد قرنهما عمر بن عبد العزيز حين تقاذفا
  : أخبرني محمد بن خلف وكيع قال حدّثنا أبو أيّوب المدينيّ قال حدّثني مصعب الزّبيريّ قال حدّثني إبراهيم بن عبد اللَّه مولى بني زهرة قال:
  حضرت عمر بن لجأ وجرير بن الخطفى موقوفين للناس بسوق المدينة لمّا تهاجيا وتقاذفا وقد أمر بهما عمر بن عبد العزيز فقرنا وأقيما. قال: وعمر بن لجأ شابّ كأنه حصان، وجرير شيخ قد أسنّ وضعف. قال فيقول ابن لجأ:
  /
  رأوا قمرا بساحتهم منيرا ... وكيف يقارن القمر الحمارا
  قال: ثم ينزو به وهما مقرونان في حبل فيسقطان إلى الأرض، فأمّا ابن لجأ فيقع قائما، وأمّا جرير فيخرّ لركبتيه ووجهه، فإذا قام نفض الغبار عنه. ثم قال بغنّته قولا يخرج الكلام به من أنفه - وكان كلامه كأنّ فيه نونا -:
  فلست مفارقا قرنيّ حتّى ... يطول تصعّدي بك وانحداري
  قال فقال رجل من جلساء عمر له حين حضر غداؤه: لو دعا الأمير بأسيريه فغدّاهما معه! ففعل ذلك عمر. وإنما فعله بهما لأنهما تقاذفا، وكان جرير قال له:
  تقول والعبد مسكين يجرّرها ... أرفق فديتك أنت الناكح الذّكر
  قال: وهذه قصيدته التي يقول فيها:
  يا تيم تيم عديّ لا أبا لكم ... لا يوقعنّكم في سوءة عمر
  قال ابنه: أجود شعره قصيدته الدالية
  : أخبرني أحمد بن عبيد اللَّه بن عمّار قال حدّثني علي بن محمد النّوفليّ قال حدّثني أبي قال:
  كنت باليمامة وأنا واليها فكان ابن لجرير يكثر عندي [الدخول(٢)] وكنت أوثره فلم أقل له قطَّ أنشدني أجود شعر لأبيك إلا أنشدني الداليّة:
  /
  أهوى أراك برامتين وقودا(٣) ... أم بالجنينة من مدافع أودا(٤)
(١) كذا في ح. وفي سائر الأصول: «عليهم».
(٢) التكملة عن ح.
(٣) في ب، س: «وفودا» بالفاء وهو تصحيف.
(٤) الجنينة: روضة نجدية بين ضربة وحزن بني يربوع. والمدافع: مجاري السيول. وأود: موضع في ديار تميم ثم لبني يربوع منهم بنجد في أرض الحزن.