جرير
  فأقول له: ويحك! لا تزيدني على هذه! فيقول سألتني عن أجود شعر أبي وهذه أجود شعره، وقد كان يقدّمها على جميعه.
  ذهب إلى الشأم ونزل على نميري فأكرمه
  : حدّثني ابن عمّار قال حدّثني النّوفليّ قال حدّثني علي بن عبد الملك الكعبيّ من ولد كعب مولى الحجّاج قال حدّثني فلان العلَّامة التّميميّ يرويه عن جرير قال:
  ما ندمت على هجائي بني نمير قطَّ إلا مرّة واحدة، فإنّي خرجت إلى الشأم فنزلت بقوم نزول في قصر لهم في ضيعة من ضياعهم، وقد نظرت إليه من بين القصور مشيّدا حسنا وسألت عن صاحبه فقيل لي: هو رجل من بني نمير. فقلت: هذا شآم وأنا بدويّ لا يعرفني، فجئت فاستضفت. فلما أذن لي ودخلت عليه عرفني فقراني أحسن القرى ليلتين، فلما أصبحت جلست، ودعا بنيّة له فضمّها إليه وترشّفها، فإذا هي أحسن الناس وجها ولها نشر لم أشمّ أطيب منه. فنظرت إلى عينيها فقلت: تاللَّه ما رأيت أحسن من عيني هذه الصبيّة ولا من حورها قطَّ، وعوّذّتها:
  فقال لي: يا أبا حزرة، أسوداء المحاجر(١) هي؟ فذهبت أصف طيب رائحتها. فقال: أصنّ وبر هي(١)؟ فقلت:
  يرحمك اللَّه! إنّ الشاعر ليقول، / وو اللَّه لقد ساءني ما قلته، ولكن صاحبكم بدأني فانتصرت، وذهبت أعتذر.
  فقال: دع ذا عنك أبا حزرة، فو اللَّه ما لك عندي إلا ما تحبّ. قال: وأحسن واللَّه إليّ وزوّدني وكساني، فانصرفت وأنا أندم الناس على ما سلف منّي إلى قومه.
  كان المفضل من أنصار الفرزدق فحاجه محاج بقصيدته السينية
  : أخبرني عمّي قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي سعد قال حدّثني محمد بن عبد اللَّه بن يعقوب بن داود قال حدّثني ابن أبي علقمة الثّقفيّ قال:
  كان المفضّل يقدّم الفرزدق، فأنشدته قول جرير:
  حيّ الهدملة من ذات المواعيس ... فالحنو أصبح قفرا غير مأنوس(٢)
  / وقلت أنشدني لغيره مثلها فسكت. قال: وكان الفرزدق إذا أنشدها يقول: مثلها فليقل ابن اللَّخناء.
  رثاء الفرزدق ابن أخيه وجرير ابنه
  : أخبرنا أبو خليفة الفضل بن الحباب قال حدّثنا محمد بن سلام قال حدّثني عبد الجبّار بن سعيد بن سليمان المساحقيّ عن المحرّر(٣) بن أبي هريرة قال:
(١) يشير إلى قول جرير في القصيدة البائية التي هجا بها الراعي وذكر فيها نساء بني نمير:
وخضراء المغابن من نمير ... يشين سواد محجرها النقابا
ويشير بقوله «أصن وبرهي» إلى قول جرير في هذه القصيدة أيضا:
تطلى وهي سيئة المعرّى ... بصنّ الوبر تحسبه ملابا
والوبر: دويبة على قدر السنور. وصنه بوله، وهو منتن جدّا. والملاب: الطيب.
(٢) الهدملة والمواعيس والحنو مواضع.
(٣) كذا في ح و «شرح القاموس» والخلاصة في أسماء الرجال، وهو المحرر بن أبي هريرة الدوسي، تابعي. وفي الأصول: «المحرز» بالزاي وهو تصحيف.