كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جرير

صفحة 284 - الجزء 8

  إنّي لفي عسكر سليمان بن عبد الملك وفيه جرير والفرزدق في غزاة، إذ أتانا الفرزدق في غداة، ثم قال، اشهدوا أنّ محمد ابن أخي⁣(⁣١)، ثم أنشأ يقول:

  فبتّ⁣(⁣٢) بديري أريحاء⁣(⁣٣) بليلة ... خداريّة يزداد طولا تمامها

  / أكابد فيها نفس أقرب من مشى ... أبوه بأمّ غاب عنها نيامها⁣(⁣٤)

  وكنّا نرى من غالب في محمد ... شمائل تعلو الفاعلين كرامها

  وكان ذا ما حلّ أرضا تزيّنت ... بزينتها صحراؤها وإكامها

  سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة ... إلينا ولكن بي لتسقاه هامها⁣(⁣٥)

  قال: ثم انصرف. وجاء جرير فقال: قد رأيت هذا وسمعت ما قال في ابن أخيه؛ وما ابن أخيه فعل اللَّه به وفعل! قال: ومضى جرير، فو اللَّه ما لبثنا إلا جمعا حتى جاءنا جرير فقام مقامه ونعى ابنه سوادة فقال:

  أودى سوادة يجلو مقلتي لحم ... باز يصرصر فوق المربأ العالي

  فارقتني حين كفّ الدهر من بصري ... وحين صرت كعظم الرّمّة البالي

  إلَّا تكن لك بالدّيرين باكية ... فربّ باكية بالرّمل معوال

  قالوا نصيبك من أجر فقلت لهم ... كيف العزاء وقد فارقت أشبالي

  هجا الفرزدق لزواجه حدراء بنت زيق وجواب الفرزدق له

  : أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلَّام قال حدّثني حاجب بن زيد وأبو الغرّاف قالا:

  تزوّج الفرزدق حدراء بنت زيق بن بسطام بن قيس على حكم أبيها، فاحتكم مائة من الإبل. فدخل على الحجّاج يسأله ذلك؛ فعذله وقال له: أتتزوّج امرأة على حكمها!. فقال عنبسة بن سعيد وأراد نفعه: إنما هي من حواشي إبل الصّدقة، فأمر له الحجّاج بها. فوثب جرير فقال:

  يا زيق قد كنت من شيبان في حسب ... يا زيق ويحك من أنكحت يا زيق

  / أنكحت ويحك قينا باسته حمم ... يا زيق ويحك هل بارت بك السّوق


(١) هكذا في الأصول. وهنا يشعر القارئ بنقص في الكلام لم نوفق لتكملته.

(٢) كذا في ديوان الفرزدق «طبع أوروبا». وفي الأصول: «بتنا». وهذه الأبيات من قصيدة يرثي بها الفرزدق محمدا ابن أخيه الذي مات بالشام. ومطلع القصيدة في الديوان: البيت الآتي.

سقى أريحاء الغيث وهي بغيضة

(٣) أريحا: (بفتح أوله وكسر ثانيه وسكون الياء مقصورا، وقد تحرك ياؤه ويمدّ في الشعر): مدينة في الغور من أرض الأردن بالشام (راجع «معجم البلدان» لياقوت و «معجم ما استعجم» للبكري). وخدارية: شديدة الظلمة.

(٤) يريد أكابد فيها نفس عزيز عليّ أبوه أقرب الناس إليّ. وورد هذا الشطر في الديوان:

أبوه لنفسي مات عني نيامها

(٥) كذا في ح و «الديوان». وفي سائر الأصول: «بي لتسقاه هامها» وهو تحريف.