جميل
  قال: صالح وسط. فغضب الحزين وقال له: ممّن أنت؟ فو اللَّه لأهجونّك وعشيرتك!. فقال جميل: إذا تندم. فأقبل الحزين يهمهم يريد هجاءه. فقال جميل:
  الدّيل أذناب بكر حين تنسبهم ... وكلّ قوم لهم من قومهم ذنب
  فقامت له بنو الدّيل وناشدوه اللَّه إلَّا كفّ عنهم، ولم يزالوا به حتى أمسك وانصرف.
  راجز جوّاس بن قطبة حين ذكر أخته فغلبه
  : أخبرني الحرميّ ومحمد بن مزيد - واللفظ له - قالا حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني محمد بن الضحّاك عن أبيه قال:
  لمّا هاجى عبيد اللَّه بن قطبة جميلا واستعلى عليه جميل، أعرض عنه، واعترضه أخوه جوّاس بن قطبة فهجاه وذكر أختا لجميل. وكان جميل قبل ذلك يحتقره ولا ينصب(١) له، حتى هجا أخته فقال فيهما ذكرها به من شعره:
  إلى فخذيها العبلتين وكانتا ... بعهدي لفّاوين(٢) أردفتا ثقلا
  فغضب جميل حينئذ فواعده للمراجزة. قال الزّبير فحدّثني بعض آل العبّاس بن سهل بن سعد عن عبّاس قال:
  قدمت من عند عبد الملك بن مروان وقد أجازني وكساني بردا، كان ذلك البرد أفضل جائزتي، فنزلت وادي القرى فوافقت الجمعة بها فاستخرجت بردي / الذي من عند عبد الملك وقلت أصلَّي مع الناس؛ فلقيني جميل، وكان صديقا لي، فسلَّم بعضنا على بعض وتساءلنا ثم افترقنا. فلما أمسيت إذا هو قد أتاني في رحلي / فقال: البرد الذي رأيته عليك تعيرنيه حتى أتجمّل به؛ فإنّ بيني وبين جوّاس مراجزة، وتحضر فتسمع. قال قلت: لا! بل هو لك كسوة، فكسوته إيّاه، وقلت لأصحابي: ما من شيء أحبّ إليّ من أن أسمع مراجزتهما. فلمّا أصبحنا جعل الأعاريب يأتون أرسالا حتى اجتمع منهم بشر كثير، وحضرت وأصحابي، فإذا بجميل قد جاء وعليه حلَّتان ما رأيت مثلهما على أحد قطَّ، وإذا بردي الذي كسوته إيّاه قد جعله جلَّا لجمله؛ فتراجزا فرجز جميل، وكانت بثينة تكنى أمّ عبد الملك، فقال:
  يا أمّ عبد الملك اصرميني ... فبيني صرمى أوصليني
  أبكي وما يدريك ما يبكيني ... أبكي حذار أن تفارقيني
  وتجعلي أبعد منّي دوني ... إنّ بني عمّك أوعدوني
  أن يقطعوا رأسي إذا لقوني ... ويقتلوني ثم لا يدوني(٣)
  كلَّا وربّ البيت لو لقوني ... شفعا ووترا لتواكلوني(٤)
  قد علم الأعداء أنّ دوني ... ضربا كإيزاغ(٥) المخاض الجون
(١) كذا فيء، أ، م. ونصب له: عاداه وتجرّد له. وفي سائر الأصول: «ولا ينصت له».
(٢) لفاوان: ضخمتان مكتنزتا اللحم.
(٣) وداه بديه: دفع ديته.
(٤) أي وكلني بعضهم إلى بعض خوفا مني وجبنا.
(٥) الإيزاغ: إخراج البول دفعة واحدة. والحوامل توزغ بأبوالها، والطعنة توزغ بالدم.