جميل
  ونخلو نحن بما نريد قبل قيامهما. / فأتيته فغنّيته؛ فو اللَّه ما رأيت فتى أشرف أريحيّة منه؛ واللَّه لألقى عليّ من الكسا الخزّ والوشي وغيره ما لم أستطع حمله، ثم أمر لي بخمسمائة دينار. قال: وذهب بنا الحديث وما كنّا فيه، حتى قام معاوية ونهض ابن جعفر معه، وكان باب يزيد في سقيفة معاوية؛ فسمع صوتي، فقال لابن جعفر: ما هذا يا بن جعفر؟ قال: هذا واللَّه صوت نافع. فدخل علينا؛ فلما أحسّ به يزيد تناوم. / فقال له معاوية: مالك يا بنيّ؟ قال:
  صدعت فرجوت أن يسكن عنّي بصوت هذا. قال: فتبسّم معاوية وقال: يا نافع، ما كان أغنانا عن قدومك!. فقال له ابن جعفر: يا أمير المؤمنين، إن هذا في بعض الأحايين يذكي(١) القلب. قال: فضحك معاوية وانصرف. فقال لي ابن جعفر: ويلك! هل شرب شيئا؟ قلت: لا واللَّه. قال: واللَّه إنّي لأرجو أن يكون من فتيان بني عبد مناف الذين ينتفع بهم. قال نافع: ثم قدمنا على يزيد مع عبد اللَّه بن جعفر بعد ما استخلف، فأجلسه معه على سريره ودخلت حاشيته تسلَّم عليه ودخلت معهم. فلما نظر إليّ تبسّم. ثم نهض ابن جعفر وتبعناه. فقيل له: نظر إلى نافع وتبسم.
  فقال ابن جعفر: هذا تأويل تلك الليلة. فقضى حوائج ابن جعفر وأضعف ما كان يصله به معاوية. فلما أراد الانصراف أتاه يودعه ونحن معه؛ فأرسل إليّ يزيد فدخلت عليه. قال: ويحك يا نافع! ما أخّرتك إلا لأتفرّغ لك.
  هات لحنك:
  خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
  فأسمعته؛ فقال: أعد ويلك! فأعدته، ثم قال: أعد فأعدته ثلاثا. فقال: أحسنت؛ فسل حاجتك. فما سألته في ذلك اليوم شيئا إلا أعطانيه. ثم قال: إن يصلح لنا هذا الأمر من قبل ابن الزّبير فلعلَّنا أن نحجّ فتلقانا بالمدينة! فإنّ هذا الأمر لا يصلح إلَّا هناك. قال نافع: فمنعنا واللَّه من ذلك شؤم ابن الزّبير.
  سأله عمر بن أبي ربيعة عن بثينة فذهب إليها وحدثها
  : أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم الجعفريّ قال حدّثنا القاسم بن أبي الزّناد قال:
  / خرج عمر بن أبي ربيعة يريد الشأم، فلما كان بالجناب(٢) لقيه جميل؛ فقال له عمر: أنشدني، فأنشده:
  خليليّ فيما عشتما هل رأيتما ... قتيلا بكى من حبّ قاتله قبلي
  ثم قال جميل: أنشدني يا أبا الخطَّاب، فأنشده:
  ألم تسأل الأطلال والمتربّعا ... ببطن حليّات دوارس بلقعا
  فلما بلغ إلى قوله:
  فلما توافقنا وسلَّمت أشرقت ... وجوه زهاها الحسن أن تتقنّعا
  تبالهن بالعرفان لمّا عرفنني(٣) ... وقلن امرؤ باغ أكلّ وأوضعا
(١) في ب، س: «يذكر».
(٢) الجناب: موضع في أرض كلب في السماوة بين العراق والشام.
(٣) في ب، س: «رأينني».