جميل
  فإني ذاهب بك إلى بعض مذاهبي، ففعلت. فجال في ظهر ناقته وركبت ناقتي، فسرنا بياض يومنا وسواد ليلتنا، ثم أصبحنا فسرنا يومنا كلَّه، لا واللَّه ما نزلنا إلا للصّلاة، فلما كان اليوم الثالث دفعنا إلى نسوة فمال إليهنّ، ووجدنا الرجال خلوفا(١)، وإذا قدر لبن ثمّ وقد جهدت جوعا وعطشا. فلما رأيت القدر اقتحمت عن بعيري وتركته جانبا، ثم أدخلت رأسي في القدر ما يثنيني حرّها حتى رويت؛ فذهبت أخرج رأسي من القدر فضاقت عليّ وإذا هي على رأسي قلنسية، فضحكن منّي وغسلن ما أصابني. وأتي جميل بقرى فو اللَّه ما التفت إليه. فبينا هو يحدّثهنّ إذا رواعي(٢) الإبل، وقد كان السلطان أحلّ لهم دمه إن وجدوه في بلادهم؛ وجاء الناس فقالوا له: ويحك! انج وتقدّم! فو اللَّه ما أكبرهم كلّ الإكبار. وغشيه الرجال فجعلوا يرمونه ويطردونه، فإذا قربوا منه قاتلهم ورمى فيهم. وهام بي جملي، فقال لي يسّر: / لنفسك مركبا خلفي، فأردفني خلفه. ولا واللَّه ما انكسر ولا انحلّ عن فرصته(٣) حتى رجع إلى أهله، وقد سار ستّ ليال وستة أيّام وما التفت إلى طعام.
  لامه فيها روق ابن عمه ولما رأى ما به احتال في زيارته لها وشعره في ذلك
  : وشكا زوج بثينة إلى أبيها وأخيها إلمام جميل بها؛ فوجّهوا إلى جميل فأعذروا إليه وشكوه إلى عشيرته وأعذروا إليهم وتوعّدوه وإيّاهم. فلامه أهله وعنّفوه وقالوا: استخلص إليهم ونبرأ منك ومن جريرتك. فأقام مدّة لا يلمّ بها. ثم لقي ابني عمّه روقا ومسعدة، فشكا إليهما ما به وأنشدهما قوله:
  صوت
  زورا بثينة فالحبيب مزور ... إن الزيارة للمحبّ يسير
  إنّ الترحّل، إن تلبّس أمرنا ... واعتاقنا قدر أحمّ، بكور
  - الغناء لعريب رمل بالوسطى -
  صوت
  إنّي عشيّة رحت وهي حزينة ... تشكو إليّ صبابة لصبور
  / وتقول بت عندي فديتك ليلة ... أشكو إليك فإنّ ذاك يسير
  - الغناء لسليم خفيف رمل بالوسطى عن عمرو. وفيه ثقيل أوّل بالبنصر ذكر الهشاميّ أنه لمخارق، وذكر حبش أنه لإبراهيم. وذكر حبش أن لحن مخارق خفيف رمل -
  غرّاء مبسام كأنّ حديثها ... درّ تحدّر نظمه منثور
  محطوطة(٤) المتنين مضمرة الحشى ... ريّا الرّوادف خلقها ممكور
  / لا حسنها حسن ولا كدلالها ... دلّ ولا كوقارها توقير
(١) خلوفا: غيبا.
(٢) المراد هنا الإبل الراعية لا الرعاة الذين يرعونها فإن جمع الراعي رعاة ورعاء ورعيان.
(٣) الفرصة: القطعة من الصوف والقطن. ولعله يريد ما وضعه على رحل بعيره وجعله تحته.
(٤) محطوطة المتنين: ممدوتهما. وفي الأصول: «مخطوطة المتنين» بالخاء المعجمة، وهو تصحيف.