كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جميل

صفحة 328 - الجزء 8

  إنّ اللسان بذكرها لموكَّل ... والقلب صاد والخواطر صور⁣(⁣١)

  ولئن جزيت الودّ منّي مثله ... إني بذلك يا بثين جدير

  فقال له روق: إنك لعاجز ضعيف في استكانتك لهذه المرأة وتركك الاستبدال بها مع كثرة النساء ووجود من هو أجمل منها، وإنّك منها بين فجور أرفعك عنه، أو ذلّ لا أحبّه لك، أو كمد يؤدّيك إلى التّلف، أو مخاطرة بنفسك لقومها إن تعرّضت⁣(⁣٢) لها بعد أعذارهم إليك. وإن صرفت نفسك عنها وغلبت هواك فيها وتجرّعت مرارة الحزم حتى تألفها وتصبر نفسك عليها طائعة أو كارهة ألفت ذلك وسلوت. فبكى جميل وقال: يا أخي، لو ملكت اختياري لكان ما قلت صوابا، ولكني لا أملك الاختيار ولا أنا إلَّا كالأسير لا يملك للنفسه نفعا، وقد جئتك لأمر أسألك ألَّا تكدر ما رجوته عندك فيه بلوم، وأن تحمل على نفسك في مساعدتي. فقال له: فإن كنت لا بدّ مهلكا نفسك فاعمل على زيارتها ليلا؛ فإنها تخرج مع بنات عمّ لها إلى ملعب لهنّ، فأجيء معك حينئذ سرّا، ولي أخ من رهط بثينة من بني الأحبّ، نأوي عنده نهارا، وأسأله مساعدتك على هذا، فتقيم عنده أيّاما نهارك وتجتمع معها بالليل إلى أن تقضي أربك؛ فشكره. ومضى روق إلى الرجل الذي من رهط بثينة، فأخبره الخبر واستعهده كتمانه وسأله مساعدته فيه.

  فقال له: لقد جئتني بإحدى العظائم؛ ويحك! إن في هذا معاداتي الحيّ جميعا إن فطن به. فقال: أنا أتحرّز في أمره من أن يظهر، فواعده في ذلك؛ ومضى إلى جميل فأخبره بالقصة، فأتيا الرجل ليلا فأقاما عنده. وأرسل إلى بثينة بوليدة له بخاتم جميل فدفعته إليها؛ فلما رأته عرفت، فتبعتها وجاءته فتحدّثا ليلتهما. وأقام بموضعه ثلاثة أيام ثم ودّعها، / وقال لها: عن غير قلى واللَّه ولا ملل يا بثينة كان وداعي لك، ولكنّي قد تذممت من هذا الرجل الكريم وتعريضه نفسه لقومه، وأقمت عنده ثلاثا ولا مزيد على ذلك، ثم انصرف. وقال في عذل روق ابن عمه إيّاه:

  لقد لامني فيها أخ ذو قرابة ... حبيب إليه في ملامته رشدي

  وقال أفق حتى متى أنت هائم ... ببثنة فيها قد تعيد وقد تبدي

  فقلت له فيها قضى اللَّه ما ترى ... عليّ وهل فيما قضى اللَّه من ردّ

  فإن بك رشدا حبّها أو غواية ... فقد جئته ما كان منّي على عمد

  صوت

  لقد لجّ ميثاق من اللَّه بيننا ... وليس لمن لم يوف اللَّه من عهد

  فلا وأبيها الخير ما خنت عهدها ... ولا لي علم بالذي فعلت بعدي

  وما زادها الواشون إلا كرامة ... عليّ وما زالت مودّتها عندي

  - الغناء لمتيّم ثقيل أوّل عن الهشاميّ، وذكر ابن المعتزّ أنه لشارية، وذكر ابن خرداذبه أنه لقلم الصالحيّة -

  أفي الناس أمثالي أحبّ فحالهم ... كحالي أم أحببت من بينهم وحدي


(١) صور: مائلات.

(٢) في الأصول: «تعذرت» وليس لها معنى مناسب.