3 - ذكر خبر عمر بن أبي ربيعة ونسبه
  وبكيا طويلا، وقام فركب فرسه ووقف ينظر إليهم وهم يرحلون(١)، ثم أتبعهم بصره حتى غابوا، وأنشأ يقول:
  يا صاحبيّ قفا نستخبر الطَّللا ... عن حال(٢) من حلَّه بالأمس ما فعلا
  فقال لي الرّبع لمّا أن وقفت به ... إنّ الخليط أجدّ(٣) البين فاحتملا(٤)
  وخادعتك النّوى(٥) حتى(٦) رأيتهم ... في الفجر يحتثّ(٧) حادي عيسهم(٨) زجلا(٩)
  / / لمّا وقفنا نحيّيهم وقد صرخت ... هواتف البين واستولت بهم أصلا(١٠)
  صدّت بعادا وقالت للَّتي معها ... باللَّه لوميه في بعض الذي فعلا
  وحدّثيه بما حدّثت واستمعي ... ماذا يقول ولا تعيي به(١١) جدلا
  حتى يرى أنّ ما قال الوشاة له ... فينا لديه إلينا كلَّه نقلا(١٢)
  وعرّفيه به كالهزل واحتفظي ... في بعض(١٣) معتبة أن تغضبي(١٤) الرجلا
  فإنّ عهدي به واللَّه يحفظه ... وإن أتى الذنب ممن يكره العذلا
  لو عندنا اغتيب أو نيلت نقيصته ... ما آب مغتابه من عندنا جذلا
  قلت اسمعي فلقد أبلغت في لطف ... وليس يخفى على ذي اللَّبّ من هزلا
(١) يرحلون: يشدّون على إبلهم الرحال.
(٢) في «ديوانه»: «عن بعض».
(٣) أجدّ البين: اعتزمه.
(٤) احتمل: ارتحل.
(٥) النوى: الفراق والبعد.
(٦) كذا في «ديوانه» وفي الأصول: «لما».
(٧) يحتث: يسوق.
(٨) في «الديوان»: «عيرهم».
(٩) زجلا: رافعا صوته في حداء الإبل لتسرع في السير. وأصل الزجل الجلبة ورفع الصوت، وخص به التطريب، وأنشد سيبويه في وصف حمار وحش:
له زجل كأنّه صوت حاد ... إذا طلب الوسيقة أو زمير
وذكره في باب ما يحتمل الشعر من استباحة الضرورة، وهي هنا حذف الواو المبينة لحركة الهاء. في قوله «كأنه». والوسيقة: أنثاه التي يضمها ويجمعها، من وسقت الشيء: جمعته.
(١٠) في «ديوانه»:
لما وقفنا نحييهم وقد شحطت ... نعامة البين فاستولت بهم أصلا
وشحطت نعامة البين: ارتحلوا وفرّقهم البين. وفي «اللسان» (مادتي نعم وشال): يقال للقوم إذا ارتحلوا عن منزلهم أو تفرّقوا: قد جفّت نعامتهم وشالت نعامتهم. والأصل: جمع أصيل وهو العشيّ، وقيل هو مفرد، أنشد ثعلب:
وتمذّرت نفسي ولم أزل ... بدلا نهاري كلَّه حتى الأصل
فقوله «بدلا نهاري كله» يدل على أن الأصل ها هنا واحد.
(١١) لا تعيي به جدلا: لا تعجزي في مجادلته.
(١٢) في «ديوانه» المخطوط:
في القول فينا وما قد أكثروا بطلا
(١٣) في «ديوانه»: «في غير».
(١٤) كذا في «ديوانه» وأكثر الضنسخ. وفي ب: «أن تخطئ» وفي م، ء، أ: «أن تسخطي».