يزيد بن الطئرية
  الظَّهيرة وفاءت الأظلال وسكن بعض ما به من ألم الضرب وبرد عطشه قليلا، ثم قرب إلى الماء حتى ورد على القوم قبل يزيد، فوجد أمة تذود غنما في بعض الظَّعن(١)، فأخذ برقعها فقال: هذا برقع واحدة من / نسائكم، فطرحه بين يدي القوم؛ وجاءت الأمة تعدو فتعلَّقت ببرقعها فردّ عليها وخجل ميّاد خجلا شديدا. وجاء يزيد ممسيّا وقد كاد القوم أن يتفرّقوا، فنثر كمّه بين أيديهم ملآن براقع [وذبلا] وفتخا، وقد حلف القوم ألَّا يعرف رجل شيئا إلَّا رفعه. فلمّا نثر ما معه اسودّت وجوه جرم وأمسكوا بأيديهم(٢) إمساكة. فقالت(٣) قشير: أنتم تعرفون ما كان بيننا أمس من العهود والمواثيق وتحرّج الأموال والأهل، فمن شاء أن ينصرف إلى حرام فليمسك يده؛ فبسط كلّ رجل يده إلى ما عرف فأخذه وتفرّقوا عن حرب؛ وقالوا: هذه مكيدة يا قشير. فقال في ذلك يزيد بن الطَّثرية:
  فإن شئت يا ميّاد زرنا وزرتم ... ولم ننفس(٤) الدّنيا على من يصيبها
  أيذهب ميّاد بألباب نسوتي ... ونسوة ميّاد صحيح قلوبها
  وقال ميّاد الجرميّ:
  لعمرك إنّ جمع بني قشير ... لجرم في يزيد لظالمونا
  / أليس الظلم أنّ أباك منّا ... وأنك في كتيبة آخرينا
  أحالفة عليك بنو قشير ... يمين الصّبر(٥) أم متحرّجونا
  أحب وحشية ومرض لبعدها فأعانه ابن عمه على رؤيتها فبرئ
  : قال: ويلي يزيد بعشق جارية من جرم في ذلك اليوم يقال لها وحشية، وكانت من أحسن النساء. ونافرتهم جرم فلم يجد إليها سبيلا، فصار من العشق إلى أن أشرف على الموت واشتدّ به الجهد؛ فجاء إلى ابن عمّ له يقال له خليفة بن بوزل(٦)، بعد اختلاف الأطبّاء إليه ويأسهم منه، فقال [له](٧): يا بن عمّ، قد تعلم أنه ليس إلى هذه المرأة سبيل، / وأنّ التعزّي أجمل، فما أربك في أن تقتل نفسك وتأثم بربّك!. قال: وما همّي يا بن عمّ بنفسي وما لي فيها أمر ولا نهي، ولا همّي إلا نفس الجرميّة؛ فإن كنت تريد حياتي فأرنيها. قال: كيف الحيلة؟ قال: تحملني إليها.
  فحمله إليها وهو لا يطمع في الجرميّة، إلا أنهم كانوا إذا قالوا له نذهب بك إلى وحشيّة أبلّ قليلا وراجع وطمع، وإذا أيس منها اشتدّ به الوجع. فخرج به خليفة بن بوزل فحمله فتخلَّل به اليمن، حتى إذا دخل في قبيلة انتسب إلى أخرى ويخبر أنه طالب حاجة. وأبلّ حتى صلح بعض الصّلاح، وطمع فيه ابن عمّه، وصارا(٨) بعد زمان إلى حيّ
(١) كذا في أكثر الأصول. والظعن: سير البادية لنجعة أو حضور ماء أو طلب مربع أو تحوّل من ماء إلى ماء أو من بلد إلى بلد. وفي ح، أو «تجريد الأغاني» «تذود غنما في العطن». والعطن: المناخ حول الورد، فأما في مكان آخر فمراح ومأوى.
(٢) يريد أنهم قبضوا أيديهم. ولم يمدوها إلى شيء مما نثر أمامهم.
(٣) كذا في ح و «تجريد الأغاني». وفي «سائر الأصول»: «فقال».
(٤) كذا في «تجريد الأغاني». ونفس عليه الشيء (من باب علم): لم يره أهلا له. وفي «جميع الأصول»: «تنفس» بالتاء المثناة.
(٥) يمين الصبر: هي التي يحبس المرء حتى يحلفها.
(٦) في أ، و «تجريد الأغاني»: «خليفة بن بورك».
(٧) زيادة عن «تجريد الأغاني».
(٨) في الأصول: «وصار بعد زمان إلى حيّ وحشية فلقي ...» بدون ألف التثنية في الفعلين.