كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

يزيد بن الطئرية

صفحة 336 - الجزء 8

  وحشيّة فلقيا الرّعيان وكمنّا في جبل من الجبال. فجعل خليفة ينزل فيتعرّض لرعيان الشّاء فيسألهم عن راعي وحشيّة⁣(⁣١)، حتى لقي غلامها وغنمها؛ فواعدهم موعدا وسألهم ما حال وحشيّة؟ فقال غلامها: هي واللَّه بشرّ! لا حفظ اللَّه بني قشير ولا يوما رأيناهم فيه! فما زالت عليلة منذ رأيناهم - وكان بها طرف مما بابن الطَّثريّة - فقال:

  ويحك! فإنّ هاهنا إنسانا يداويها، فلا تقل لأحد غيرها. قال: نعم إن شاء اللَّه تعالى. فأعلمها الراعي ما قال له الرجل حين صار إليها. فقالت له: ويحك! فجيء به. ثم إنه خرج فلقيه بالغد فأعلمه، وظلّ عنده يرعى غنمه، وتأخّر عن الشاء حتى تقدمته الشاء وجنح الليل، وانحدر بين يدي غنمه حتى أراحها⁣(⁣٢). ومشى فيها يزيد حتى⁣(⁣٣) قربت من البيت على أربع وتجلَّل شملة سوداء بلون شاة من الغنم؛ فصار إلى وحشية، فسرّت به سرورا شديدا، وأدخلته سترا لها وجمعت عليه من الغد من تثق به من صواحباتها وأترابها. وقد كان عهد إلى ابن عمّه أن يقيم / في الجبل ثلاث ليال، فإن لم يره فلينصرف. فأقام يزيد عندها ثلاث ليال ورجع إلى أصحّ ما كان عليه، ثم انصرف فصار إلى صاحبه. فقال: ما وراءك يا يزيد؟ ورأى من سروره وطيب نفسه ما سرّه. فقال:

  لو أنّك شاهدت الصّبا يا بن بوزل ... بفرع الغضى إذ راجعتني غياطله⁣(⁣٤)

  لشاهدت لهوا بعد شحط من النّوى ... على سخط الأعداء حلوا شمائله

  صوت

  ويوما كإبهام⁣(⁣٥) القطاة مزيّنا ... لعيني ضحاه غالبا لي باطله

  غنى في البيت الثالث وبعده البيت الثاني، وروايته:

  تشاهد لهوا بعد شحط من النوى مخارق ثاني ثقيل بالوسطى عن حبش.

  أخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا عبد اللَّه بن عمرو قال حدّثني عليّ بن الصبّاح قال:

  قال أبو محضة⁣(⁣٦) الأعرابيّ وأنشد هذه الأبيات ليزيد / بن الطَّثرية، فلمّا بلغ إلى قوله:

  بنفسي من لو مرّ برد بنانه ... على كبدي كانت شفاء أنامله

  ومن هابني في كل أمر وهبته ... فلا هو يعطيني ولا أنا سائله

  طرب⁣(⁣٧) لذلك وقال: هذا واللَّه من مغنج الكلام.


(١) في ب، س، ح: «عن راعى وحشية وحالها حتى لقي ألخ».

(٢) كذا في «تجريد الأغاني». وفي «الأصول»: «حتى أراحوا».

(٣) كذا «في الأصول» ولعله: «حين».

(٤) الغياطل: جمع غيطلة وهي الظلمة المتراكمة، استعارهاهنا لجهالات الصبا.

(٥) يضرب المثل في القصر بإبهام القطا وكذلك بإبهام الحباري والضب.

(٦) في «تجريد الأغاني»: «أبو محيصة».

(٧) في «الأصول»: «فطرب» بالفاء.