يزيد بن الطئرية
  الطَّثرية في السجن حتى انصرف عقبة بن شريك من مكة، فأرسل ابن الكميت في مخاضه(١) مستقبلة الرّبيع وهي حاضرة العقيق، تأكل الغضى وتشرب بأحسائه(٢)، وانحدر عقبة نحو اليمامة وعليها المهاجر بن عبد اللَّه الكلابيّ.
  فلمّا ضاقت بابن الطَّثريّة المخارج قال له صاحب له: لا أعلم لك أنجى إن قدرت على الخروج من السجن إلا أن تركب ابن الكميت فينجيك نحو بلد من البلاد. فلم يزل حتى جعل للحدّاد(٣)، على أن يرسله ليلة إلى ابن عمّه، جعلا؛ فشكا إليه وجده / بها فأرسله. فمضى يزيد نحو الإبل عشاء فاحتكم ابن الكميت حتى جلس عليه فوجهه قصد اليمامة يريد عقبة بن شريك؛ وقال في طريقه:
  لعمري إن ابن الكميت على الوجا(٤) ... وسيري خمسا بعد خمس مكمّل
  / لطلق الهوادي بالوجيف إذا ونى ... ذوات البقايا(٥) والعتيق الهمرجل
  فورد اليمامة فأناخ بابن الكميت على باب المهاجر(٦)، فكان أوّل من خرج عليه عقبة بن شريك. فلما نظر إليه عرفه وعرف الجمل فقال: ويحك! أيزيد أنت؟ قال نعم وهذا ابن الكميت؟ قال نعم قال: ويحك!. فما شأنك؟ قال: يا عقبة، فارّ منك إليك؛ وأنشده قصيدته التي يقول فيها:
  يا عقب قد شذب اللَّحاء عن العصا ... عنّي وكنت مؤزّرا محمودا
  صل لي جناحي واتّخذني(٧) عدّة ... ترمي بي المتعاشي الصّنديدا
  فقال له عقبة - وكانت من خير فعلة علمناه فعلها -: أشهدكم أنّي قد أبرأته من دين البربريّ وأن له ابن الكميت؛ وأمره أن يحتكم فيما سوى ذلك من ماله. وهذان البيتان من القصيدة التي أوّلها:
  أمسى الشباب مودّعا محمودا وهي من جيّد شعره، يقول فيها:
  ومدلَّة(٨) عند التبذّل(٩) يفتري(١٠) ... منها الوشاح(١١) مخصّرا أملودا
  / نازعتها غنم الصّبا إنّ الصّبا ... قد كان منّي للكواعب عيدا
  يا للرّجال وإنما يشكو الفتى ... مرّ الحوادث أو يكون جليدا
(١) المخاض: الحوامل من النوق.
(٢) الأحساء جمع واحده الحسى وهو سهل من الأرض يستنقع فيه الماء.
(٣) الحدّاد: السجان.
(٤) الوجا: أن يشتكي البعير باطن خفه.
(٥) ذوات البقايا من الخيل: التي يبقى جريها بعد انقطاع جري الخيل. والعتيق: الرائع: والهمرجل: السريع.
(٦) في الأصول: «على باب ابن المهاجر».
(٧) في الأصول: «واتخذ لي».
(٨) في ب، س: «ومدله». وفي سائر الأصول: «ومذلة». وكلاهما تصحيف.
(٩) كذا في أ، ء، م. والتبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة. وفي سائر الأصول: «التبدل». بالدال المهملة، وهو تصحيف.
(١٠) يفتري: يريد به يكسو، والأصل في معنى الافتراء: لبس الفروة.
(١١) الوشاح: شبه قلادة ينسج من أديم عريض يرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها مخالفا بينهما. والمخصر: الدقيق الضامر. والأبلود: الناعم الغض.