كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

يزيد بن الطئرية

صفحة 341 - الجزء 8

  الطَّثرية في السجن حتى انصرف عقبة بن شريك من مكة، فأرسل ابن الكميت في مخاضه⁣(⁣١) مستقبلة الرّبيع وهي حاضرة العقيق، تأكل الغضى وتشرب بأحسائه⁣(⁣٢)، وانحدر عقبة نحو اليمامة وعليها المهاجر بن عبد اللَّه الكلابيّ.

  فلمّا ضاقت بابن الطَّثريّة المخارج قال له صاحب له: لا أعلم لك أنجى إن قدرت على الخروج من السجن إلا أن تركب ابن الكميت فينجيك نحو بلد من البلاد. فلم يزل حتى جعل للحدّاد⁣(⁣٣)، على أن يرسله ليلة إلى ابن عمّه، جعلا؛ فشكا إليه وجده / بها فأرسله. فمضى يزيد نحو الإبل عشاء فاحتكم ابن الكميت حتى جلس عليه فوجهه قصد اليمامة يريد عقبة بن شريك؛ وقال في طريقه:

  لعمري إن ابن الكميت على الوجا⁣(⁣٤) ... وسيري خمسا بعد خمس مكمّل

  / لطلق الهوادي بالوجيف إذا ونى ... ذوات البقايا⁣(⁣٥) والعتيق الهمرجل

  فورد اليمامة فأناخ بابن الكميت على باب المهاجر⁣(⁣٦)، فكان أوّل من خرج عليه عقبة بن شريك. فلما نظر إليه عرفه وعرف الجمل فقال: ويحك! أيزيد أنت؟ قال نعم وهذا ابن الكميت؟ قال نعم قال: ويحك!. فما شأنك؟ قال: يا عقبة، فارّ منك إليك؛ وأنشده قصيدته التي يقول فيها:

  يا عقب قد شذب اللَّحاء عن العصا ... عنّي وكنت مؤزّرا محمودا

  صل لي جناحي واتّخذني⁣(⁣٧) عدّة ... ترمي بي المتعاشي الصّنديدا

  فقال له عقبة - وكانت من خير فعلة علمناه فعلها -: أشهدكم أنّي قد أبرأته من دين البربريّ وأن له ابن الكميت؛ وأمره أن يحتكم فيما سوى ذلك من ماله. وهذان البيتان من القصيدة التي أوّلها:

  أمسى الشباب مودّعا محمودا وهي من جيّد شعره، يقول فيها:

  ومدلَّة⁣(⁣٨) عند التبذّل⁣(⁣٩) يفتري⁣(⁣١٠) ... منها الوشاح⁣(⁣١١) مخصّرا أملودا

  / نازعتها غنم الصّبا إنّ الصّبا ... قد كان منّي للكواعب عيدا

  يا للرّجال وإنما يشكو الفتى ... مرّ الحوادث أو يكون جليدا


(١) المخاض: الحوامل من النوق.

(٢) الأحساء جمع واحده الحسى وهو سهل من الأرض يستنقع فيه الماء.

(٣) الحدّاد: السجان.

(٤) الوجا: أن يشتكي البعير باطن خفه.

(٥) ذوات البقايا من الخيل: التي يبقى جريها بعد انقطاع جري الخيل. والعتيق: الرائع: والهمرجل: السريع.

(٦) في الأصول: «على باب ابن المهاجر».

(٧) في الأصول: «واتخذ لي».

(٨) في ب، س: «ومدله». وفي سائر الأصول: «ومذلة». وكلاهما تصحيف.

(٩) كذا في أ، ء، م. والتبذل: ترك التزين والتهيؤ بالهيئة الحسنة. وفي سائر الأصول: «التبدل». بالدال المهملة، وهو تصحيف.

(١٠) يفتري: يريد به يكسو، والأصل في معنى الافتراء: لبس الفروة.

(١١) الوشاح: شبه قلادة ينسج من أديم عريض يرصع بالجوهر تشده المرأة بين عاتقيها وكشحيها مخالفا بينهما. والمخصر: الدقيق الضامر. والأبلود: الناعم الغض.