كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

يزيد بن الطئرية

صفحة 343 - الجزء 8

  أخواته وبنات عمّه وغيرهن من حرمه، ثم قال لهنّ: قد بلغني أنّ يزيد دخل عليكنّ وقد نهيتكنّ عنه، وإن للَّه عليّ نذرا واجبا - واخترط سيفه - إن لم أضرب أعناقكنّ به. فلما ملأهنّ رعبا ضرب عنق غلام له مولَّد يقال له عصام فقتله، ثم أنشأ يقول:

  جعلت عصاما عبرة حين رابني ... أناسيّ من أهلي مراض قلوبها

  ثم إنّ فديكا رأى يزيد قائما عند باب أهله، فظنّ أنه يواعد بعض نسائه، فارتصده على طريقه⁣(⁣١) وأمر بزبية⁣(⁣٢) فحفرت على الطريق ثم أوقد فيها نارا ليّنة ثم اختبأ في مكان ومعه عبدان له وقال لهما: تبصّرا هل تريان أحدا؛ فلم يلبثا إلَّا قليلا حتى خرجت بنت أخي فديك، وكان يقال لها وحشيّة، تتهادى في برودها لميعاد يزيد؛ فأيقظه / العبدان؛ ومضت حتى وقعت على الزّبية فاحترق بعضها، وأمر بها فأخرجت، واحتملها العبدان فانطلقا بها إلى داره. فقال فديك:

  شفى النفس من وحشيّة اليوم أنّها ... تهادى وقد كانت سريعا عنيقها⁣(⁣٣)

  فإلَّا تدع خبط الموارد في الدّجى ... تكن قمنا⁣(⁣٤) من غشية لا تفيقها

  دواء طبيب كان يعلم أنّه ... يداوي المجانين المخلَّى طريقها

  فبلغ ذلك يزيد فقال:

  ستبرأ من بعد الضّمانة⁣(⁣٥) رجلها ... وتأتي الذي تهوى مخلَّى طريقها

  عليّ هدايا البدن إن لم ألاقها ... وإن لم يكن إلا فديك يسوقها

  يحصّنها منّي فديك سفاهة ... وقد ذهبت فيها الكباس⁣(⁣٦) وحوقها

  تذيقونها شيئا من النّار كلَّما ... رأت من بني كعب غلاما يروقها

  قال: وإنما كانت وضعت رجلها فأحرقتها النار.

  وقال يزيد أيضا:

  يا سخنة العين⁣(⁣٧) للجرميّ إذ جمعت ... بيني وبين نوار وحشة الدار

  خبّرتهم عذّبوا بالنار جارتهم ... ومن يعذّب غير اللَّه بالنار

  فبلغ ذلك فديكا فقال:


(١) في الأصول: «على طريقته».

(٢) الزبية: الحفرة يصاد بها الأسد والذئب.

(٣) العتيق: السير المنبسط.

(٤) هو قمن بكذا وقمن منه (بفتح الميم) وقمن (بكسر الميم) وقمين أي حريّ وخليق وجدير. فمن فتح الميم لم يثن ولا جمع ولا أنث لأنه مصدر، ومن كسرها أو زاد الياء فقال قمين ثني وجمع وأنث لأنه وصف.

(٥) الضمانة: الزمانة والعاهة. أراد احتراق رجلها.

(٦) الكباس: الكمرة الضخمة. والحوق: ما استدار من حروفها.

(٧) سخنت عينه سخنا وسخونة وسخنة. نقيض قرّت.