كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جميلة

صفحة 367 - الجزء 8

  الرّطبة واليابسة، ثم دعت بأنواع من الأشربة. فقال عمر: لا أشرب، وقال ابن أبي عتيق مثل ذلك، فقال الأحوص:

  لكنّني أشرب؛ وما جزاء جميلة أن يمتنع / من شرابها!. قال عمر: ليس ذلك كما ظننته. قالت جميلة: من شاء أن يحملني بنفسه ويخلط روحي بروحه شكرناه، ومن أبى ذلك عذرناه، ولم يمنعه ذلك عندنا ما يريد من قضاء حوائجه والأنس بمحادثته. قال ابن أبي عتيق: ما يحسن بنا إلا مساعدتك. قال عمر: لا أكون أخسّكم، افعلوا ما شئتم تجدوني سميعا مطيعا. فشرب القوم أجمعون. فغنّت صوتا بشعر لعمر:

  ولقد قالت لجارات لها ... كالمها يلعبن في حجرتها

  خذن عنّي الظَّلّ لا يتبعني ... ومضت تسعى إلى قبّتها

  لم تعانق⁣(⁣١) رجلا فيما مضى ... طفلة غيداء في حلَّتها

  لم يطش قطَّ لها سهم ومن ... ترمه لا ينج من رميتها

  - لم يذكر طريقة لحنها في هذا الصوت. وذكر الهشاميّ أنّ فيه لابن المكَّيّ رملا بالبنصر. وذكر عليّ بن يحيى أنّ فيه لابن سريج رملا بالوسطى - فصاح عمر: ويلاه! ويلاه! ثلاثا ثم عمد إلى جيب قميصه فشقّه إلى أسفله فصار قباء، ثم آب إليه عقله فندم واعتذر وقال: لم أملك من نفسي شيئا. قال القوم: قد أصابنا كالذي⁣(⁣٢) أصابك وأغمي علينا، غير أنّا فارقناك في تخريق الثياب. فدعت جميلة بثياب فخلعتها على عمر، فقبلها ولبسها، وانصرف القوم إلى منازلهم. وكان عمر نازلا على ابن أبي عتيق، فوجّه عمر إلى جميلة بعشرة آلاف درهم وبعشرة أثواب كانت معه، فقبلتها جميلة. وانصرف عمر إلى مكة جذلان مسرورا.

  حجت ومعها الشعراء والمغنون والمغنيات ووصف ركبها في مكة وفي المدينة حين آبت من الحج

  : قال إسحاق وحدّثني أبي عن سياط وابن جامع عن يونس قالا⁣(⁣٣): حجّت جميلة، وأخبرني / إسماعيل بن يونس قال حدّثنا عمر بن شبّة قال حدّثنا إسحاق / ابن إبراهيم قال حدّثني أبي عن سياط وابن جامع عن يونس الكاتب، وأخبرني الحسن بن عليّ قال حدّثنا أحمد بن سعيد الدّمشقيّ قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني عمّي مصعب قالوا جميعا:

  إنّ جميلة حجّت - وقد جمعت رواياتهم لتقاربها، وأحسب الخبر كلَّه مصنوعا وذلك بيّن فيه - فخرج معها من المغنّين مشيّعين حتى وافوا مكة ورجعوا معها من الرجال المشهورين الحذّاق بالغناء هيت⁣(⁣٤) وطويس والدّلال وبرد الفؤاد ونومة الضّحى وفند ورحمة⁣(⁣٥) وهبة اللَّه - هؤلاء مشايخ وكلَّهم طيّب الغناء - ومعبد ومالك وابن عائشة ونافع بن طنبورة وبديح المليح ونافع الخير، ومن المغنّيات الفرهة [و]⁣(⁣٦) عزّة الميلاء وحبابة وسلَّامة وخليدة


(١) في أ، م، ء: «لم تعاين».

(٢) في ج: «كل الذي أصابك».

(٣) في الأصول: «قال».

(٤) كذا في الأصول و «المشتبه في أسماء الرجال»، وذهب جماعة إلى أنه «هنب» (بالنون والباء). وقد رجح الأزهريّ أنه بالياء والتاء، واحتج برواية الشافعي له هكذا. (راجع «القاموس وشرحه واللسان» مادتي هنب وهيت).

(٥) كذا في ب، س. وفي سائر الأصول: «رحة».

(٦) التكملة عن «نهاية الأرب» (ج ٥ ص ٤٤ من الطبعة الأولى).