جميلة
  وعقيلة والشّمّاسيّة وفرعة وبلبلة(١) ولذّة العيش وسعيدة والزّرقاء، ومن غير المغنّين ابن أبي عتيق والأحوص وكثيّر عزّة ونصيب وجماعة من الأشراف، وكذلك من النساء من مواليها وغيرهنّ(٢). وأما سياط فذكر أنه حجّ معها من القيان مشيّعات لها ومعظَّمات لقدرها ولحقّها زهاء خمسين قينة، وجّه بهنّ مواليهنّ معها فأعطوهنّ النفقات وحملوهنّ على الإبل في الهوادج والقباب وغير ذلك؛ فأبت جميلة أن تنفق واحدة منهنّ درهما فما فوقه حتى رجعن. وأما يونس فذكر أنه حجّ معها من الرجال المغنين مع من سمّينا زهاء ثلاثين رجلا، وتخايروا في اتخاذ أنواع اللَّباس العجيب الظَّريف وكذلك في الهوادج والقباب. وقيل، فيما / قال أهل المدينة،: إنهم ما رأوا مثل(٣) ذلك الجمع سفرا طيبا وحسنا وملاحة. قالوا: ولما قاربوا مكة تلقّاهم سعيد بن مسجح وابن سريج والغريض وابن محرز والهذليّون وجماعة من المغنّين من أهل مكة وقيان كثير لم يسمّين لنا، ومن غير المغنّين عمر بن أبي ربيعة والحارث بن خالد المخزوميّ والعرجيّ وجماعة من الأشراف. فدخلت جميلة مكة وما بالحجاز مغنّ حاذق ولا مغنّية إلا وهو معها وجماعة من الأشراف ممن سمّينا وغيرهم من الرجال والنساء. وخرج أبناء أهل مكة من الرجال والنساء ينظرون إلى جمعها وحسن هيئتهم. فلما قضت حجّها سألها المكيّون أن تجعل لهم مجلسا. فقالت: للغناء أم للحديث؟ قالوا: لهما جميعا. قالت: ما كنت لأخلط جدّا بهزل، وأبت أن تجلس للغناء. فقال عمر بن أبي ربيعة: أقسمت على من كان في قلبه حبّ لاستماع غنائها إلَّا خرج معها إلى المدينة، فإني خارج. فعزم القوم الذين سمّيناهم كلَّهم على الخروج ومعهم جماعة ممّن نشط، فخرجت في جمع أكثر من جمعها بالمدينة. فلما قدمت المدينة تلقّاها أهلها وأشرافهم من الرجال والنساء، فدخلت أحسن مما خرجت به منها، وخرج الرجال والنساء من بيوتهم فوقفوا على أبواب دورهم ينظرون إلى جمعها وإلى القادمين معها. فلما دخلت منزلها وتفرّق الجمع إلى منازلهم ونزل أهل مكة على أقاربهم وإخوانهم أتاها الناس مسلَّمين، وما استنكف من ذلك كبير ولا صغير. فلما مضى لمقدمها عشرة أيام جلست للغناء؛ فقالت لعمر بن أبي ربيعة: إني جالسة لك ولأصحابك، وإذا شئت / فعد الناس لذلك اليوم، فغصّت الدار بالأشراف من الرجال والنساء. فابتدأت جميلة فغنّت صوتا بشعر عمر:
  وصف مجلس غنائها بالمدينة بعد عودها من الحج
  : /
  هيهات من أمة الوهّاب منزلنا ... إذا حللنا بسيف البحر من عدن
  واحتلّ أهلك أجيادا(٤) فليس لنا ... إلا التذكَّر أو حظَّ من الحزن
  لو أنها أبصرت بالجزع عبرته ... وقد تغرّد قمريّ على فنن
  إذا رأت غير ما ظنّت بصاحبها ... وأيقنت أن عكَّا(٥) ليس من وطني
  ما أنس لا أنس يوم الخيف موقفها ... وموقفي وكلانا ثمّ ذو شجن
(١) في «نهاية الأرب»: «نبيلة».
(٢) في الأصول: «وغيرهم» ومرجع الضمير جمع مؤنث.
(٣) في ح: «قبل ذلك الجمع».
(٤) أجياد: موضع بمكة يلي الصفا.
(٥) كذا في ب، س و «ديوانه». وروايته فيما تقدّم (ج ١ ص ١١١ من هذه الطبعة): «أن لحجا ...». وعك: قبيلة يضاف إليها مخلاف باليمن. ولحج: مخلاف باليمن. وفي سائر الأصول هنا: «أن نجحا ...» وهو محرّف عن «لحج».