كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جميلة

صفحة 380 - الجزء 8

  ذهب الشباب وليته لم يذهب ... وعلا المفارق وقع شيب مغرب⁣(⁣١)

  / والغانيات يردن غيرك صاحبا ... ويعدنك الهجران بعد تقرّب

  / إنّي أقول مقالة بتجارب ... حقّا ولم يخبرك مثل مجرّب

  صاف الكريم وكن لعرضك صائنا ... وعن اللَّئيم ومثله فتنكَّب

  ثم دعت بثياب مصبّغة ووفرة شعر مثل وفرة ابن سريج فوضعتها على رأسها، ودعت للقوم بمثل ذلك فلبسوا، ثم ضربت بالعود وتمشّت وتمشّى القوم خلفها، وغنّت وغنّوا بغنائها بصوت واحد:

  يمشين مشي قطا البطاح تأوّدا ... قبّ البطون رواجح الأكفال

  فيهنّ آنسة الحديث حيّية ... ليست بفاحشة ولا متفال⁣(⁣٢)

  وتكون ريقتها إذا نبّهتها ... كالمسك فوق سلافة الجريال⁣(⁣٣)

  ثم نعرت ونعر القوم طربا، ثم جلست وجلسوا وخلعوا ثيابهم ورجعوا إلى زيّهم، وأذنت لمن كان ببابها فدخلوا؛ وانصرف المغنّون وبقي عندها من يطارحها من الجواري.

  استزارت عبد اللَّه بن جعفر لمجلس غناء هيأته له فزارها

  : وحدّثتني عمّتي قالت: سمعت سياطا يحدّث أباك يوما جميلة فقال: بنفسي هي وأمّي! فما كان أحسن وجهها وخلقها⁣(⁣٤) وغناءها! ما خلَّفت النساء مثلها شبيها؛ فأعجبني ذلك. ثم قال سياط: جلست جميلة يوما للوفادة عليها، وجعلت على رؤوس جواريها شعورا مسدلة كالعناقيد إلى أعجازهنّ، وألبستهنّ أنواع الثياب المصبّغة ووضعت فوق الشعور التيجان، وزينتهنّ بأنواع الحليّ، ووجّهت إلى عبد اللَّه بن جعفر تستزيره، وقالت لكاتب أملت عليه: «بأبي أنت وأمّي! قدرك يجلّ عن رسالتي وكرمك⁣(⁣٥) يحتمل زلَّتي؛ وذنبي لا تقال عثرته ولا تغفر حوبته. فإن / صفحت فالصفح لكم معشر أهل البيت يؤثر، والخير والفضل كله⁣(⁣٦) فيكم مدّخر، ونحن العبيد وأنتم الموالي.

  فطوبى لمن كان لكم مقاربا والي وجوهكم ناظرا! وطوبى لمن كان لكم⁣(⁣٧) مجاورا، وبعزّكم قاهرا، وبضيائكم مبصرا! والويل لمن جهل قدركم ولم يعرف ما أوجبه اللَّه على هذا الخلق لكم! فصغيركم كبير بل لا صغير فيكم، وكبيركم جليل بل الجلالة التي وهبها اللَّه ø للخلق هي لكم ومقصورة عليكم. وبالكتاب نسألك وبحقّ الرسول ندعوك إن كنت نشيطا لمجلس هيّأته لك لا يحسن إلَّا بك ولا يتمّ إلا معك، ولا يصلح أن ينقل عن موضعه، ولا يسلك به غير طريقه. فلما قرأ عبد اللَّه الكتاب قال: إنّا لنعرف تعظيمها لنا وإكرامها لصغيرنا وكبيرنا.

  وقد علمت أنّها قد آلت ألية ألَّا تغنّي أحدا إلَّا في منزلها. وقال للرسول: واللَّه قد كنت على الركوب إلى موضع


(١) مغرب: أبيض.

(٢) المتفال: المتغيرة الريح لترك التطيب والأدّهان.

(٣) الجريال: من أسماء الخمر.

(٤) في ب، س: ... وجهها وخلقها وخلقها وغناءها ...».

(٥) في ب، س: «ولكن كرمك إلخ» بزيادة كلمة «لكن» ولعلها مقحمة من الناسخ.

(٦) هذه الكلمة ساقطة في ب، س.

(٧) في جميع الأصول عدّا. ب، س: «لمن كان لكم أيضا مجاورا».