كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

عنترة

صفحة 390 - الجزء 8

  ولقد أبيت على الطَّوى وأظلَّه ... حتّى أنال به كريم المأكل

  فقال : «ما وصف لي أعرابيّ قطَّ فأحببت أن أراه إلَّا عنترة».

  كيف ألحق أخوته لأمه بنسب قومه

  : أخبرني عليّ بن سليمان قال حدّثنا أبو سعيد السكَّريّ عن محمد بن حبيب عن ابن الأعرابيّ وأبي عبيدة:

  أن عنترة كان له إخوة من أمّه، فأحبّ عنترة أن يدّعيهم قومه؛ فأمر أخا له كان خيرهم في نفسه يقال له «حنبل»، فقال له: أرو مهرك من اللَّبن ثم مرّ به عليّ عشاء. فإذا قلت لكم: ما شأن مهركم متخدّدا⁣(⁣١) مهزولا ضامرا، فاضرب بطنه بالسيف كأنّك تريهم أنك قد غضبت مما قلت: فمرّ عليهم، فقال له: يا حنبل، ما شأن مهركم متخدّدا أعجر⁣(⁣٢) من اللبن؟ فأهوى أخوه بالسيف إلى بطن مهره فضربه فظهر اللبن. فقال في ذلك عنترة:

  أبني زبيبة ما لمهركم ... متخدّدا وبطونكم عجر

  ألكم بإيغال الوليد على ... أثر الشّياه بشدّة خبر⁣(⁣٣)

  / وهي قصيدة. قال: فاستلاظه⁣(⁣٤) نفر من قومه ونفاه آخرون. ففي ذلك يقول عنترة:

  ألا يا دار عبلة بالطَّويّ ... كرجع الوشم في كفّ الهديّ⁣(⁣٥)

  وهي طويلة يعدّد فيها بلاءه وآثاره عند قومه.

  جوابه حين سئل أنت أشجع العرب

  : أخبرني عمّي قال أخبرني الكرانيّ عن / النّضر بن عمرو عن الهيثم بن عديّ قال:

  قيل لعنترة: أنت أشجع العرب وأشدّها؟ قال لا. قيل: فبماذا شاع لك هذا في الناس؟ قال: كنت أقدم إذا رأيت الإقدام عزما، وأحجم إذا رأيت الإحجام حزما، ولا أدخل إلا موضعا⁣(⁣٦) أرى لي منه مخرجا، وكنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطير لها قلب الشّجاع فأثنّي عليه فأقتله.

  أخبرني حبيب بن نصر وأحمد بن عبد العزيز قالا حدّثنا عمر بن شبّة قال:

  قال عمر بن الخطاب للحطيئة: كيف كنتم في حربكم؟ قال: كنا ألف فارس حازم. قال: وكيف يكون ذلك؟

  قال: كان قيس بن زهير فينا وكان حازما فكنا لا نعصيه. وكان فارسنا عنترة فكنّا نحمل إذا حمل ونحجم إذا أحجم.

  وكان فينا الرّبيع بن زياد وكان ذا رأي فكنا نستشيره ولا نخالفه. وكان فينا عروة بن الورد فكنّا نأتمّ بشعره، فكنا كما وصفت لك. فقال عمر: صدقت.


(١) المتخدد: المهزول. وفي الأصول: «متخدرا» في المواضع الثلاثة. والتصويب عن «اللسان» (مادة عجر).

(٢) بطن أعجر: ملآن.

(٣) رواية هذا البيت في «الديوان»:

ألكم بآلاء الوشيج إذا ... مر الشياه بوقعة خبر

والمراد في كلتا الروايتين غامض.

(٤) استلاطه قومه: ألصقوه بهم وادّعوه.

(٥) الطويّ: موضع. والهديّ: العروس.

(٦) كذا في م. وفي سائر الأصول: «ولا أدخل موضعا إلَّا أرى منه مخرجا».