كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

الأخطل

صفحة 436 - الجزء 8

  جاور بني يربوع، وكانت له فرس يقال لها بذوة⁣(⁣١)، وكان لصرد بن جمرة اليربوعيّ فرس يقال لها القضيب، فتراهنا عشرين بعشرين، فسبقت بذوة فظلمه ابن جمرة حقّه ومنعه سبقه⁣(⁣٢)، وجعل يفجر بامرأته. ثم إنّ أبا سواج ذهب إلى البحرين يمتار؛ فلما أقبل راجعا، وكان رجلا شديدا معجبا بنفسه، جعل يقول وهو يحدو:

  يا ليت شعري هل بغت من بعدي

  فسمع قائلا يقول من خلفه:

  نعم بمكويّ قفاه جعدي

  فعاد إلى قوله فأجابه بمثل ذلك. وقدم إلى منزله فأقام به مدّة، فتغاضب صرد على امرأة أبي سواج وقال: لا أرضى أو تقدّي من است أبي سواج سيرا. فأخبرت / زوجها بذلك فقام إلى نعجة له فذبحها وقدّ من باطن أليتيها سيرا فدفعه إليها؛ فجعله / صرد بن جمرة في نعله، فقال لقومه: إذا أقبلت وفيكم أبو سواج فسلوني من أين أقبلت ففعلوا، فقال: من ذي بليّان⁣(⁣٣) وأريد ذابليّان، وفي نعلي شراكان، من است إنسان. فقام أبو سواج: فطرح ثوبه وقال: أنشدكم اللَّه! هل ترون بأسا؟ ثم أمر أبو سواج غلامين له راعيين أن يأخذا أمة له فيتراوحاها؛ ودفع إليهما عسّا وقال: لئن قطرت منكما قطرة في غير العسّ لأقتلنّكما. فباتا يتراوحانها ويصبّان ما جاء منهما في العسّ، وأمرهما أن يحلبا عليه فحلبا حتى ملأاه؛ ثم قال لامرأته: واللَّه لتسقنّه صرد أو لأقتلنّك: واختبأ وقال: ابعثي إليه حتى يأتيك ففعلت. وأتاها لعادتها كما كان يأتيها، فرحّبت به واستبطأته ثم قامت إلى العسّ فناولته إيّاه. فلما ذاقه رأى طعما خبيثا وجعل يتمطَّق⁣(⁣٤) من اللَّبن الذي يشرب وقال: إني أرى لبنكم خاثرا، أحسب إبلكم رعت السّعدان.

  فقالت: إنّ هذا من طول مكثه في الإناء، أقسمت عليك إلَّا شربته. فلما وقع في بطنه وجد الموت، فخرج إلى أهله ولا يعلم أصحابه بشيء من أمره. فلما جنّ على أبي سواج اللَّيل أتى أهله وغلمانه فانصرفوا إلى قومه وخلَّف الفرس وكلبه في الدار؛ فجعل الكلب ينبح والفرس يصهل؛ وذلك ليظنّ القوم أنّه لم يرتحل. فساروا ليلتهم والدار ليس فيها غيره وكلبه وفرسه وعسّه. فلما أصبح ركب فرسه وأخذ العسّ فأتى مجلس بني يربوع فقال: جزاكم اللَّه من جيران خيرا! فقد أحسنتم الجوار، وفعلتم ما كنتم له أهلا. فقالوا له: يا أبا سواج، ما بدا لك في الانصراف عنّا؟

  قال: إنّ صرد بن جمرة لم يكن فيما بيني وبينه محسنا، وقد قلت في ذلك:

  /

  إنّ المنيّ إذا سرى ... في العبد أصبح مسمغدّا⁣(⁣٥)

  أتنال سلمى باطلا ... وخلقت يوم خلقت جلدا

  صرد بن جمرة هل لقي ... ت رثيئة لبنا وعصدا⁣(⁣٦)


(١) كذا في «تجريد الأغاني وشرح القاموس» مادة «سوج» وفي الأصول ندوة.

(٢) السبق بفتح الباء الخطى الذي يوضع بين أهل السباق.

(٣) ذو يليان: موضع وراء اليمن، وقال أبو نصر: أقصى الأرض، وقال غيره: ذوبليان من أعمال هجر. كذا في «معجم ما استعجم للبكري» وقد جاء في «معجم البلدان» لياقوت: ذوبليان موضع في قصة أبي سواج الضبيّ.

(٤) يتمطق: يتذوّق.

(٥) كذا في «تجريد الأغاني». والمسمغد: المرتوي من اللبن. وفي ب، س «مصمغدا». وفي ح: «مسعدا» بالسّين. وفي سائر الأصول «مصعدا» بالصاد، وكله تحريف.

(٦) الرثيئة: اللبن الحامض. والعصد: تحريك العصيدة بالمسواط فتنقلب فلا يبقى في الإناء منها شيء إلَّا انقلب.