كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

الأخطل

صفحة 437 - الجزء 8

  واعلموا أنّ هذا القدح قد أحبل منكم رجلا وهو صرد بن جمرة. ثم رمى بالعسّ على صخرة فانكسر وركض فرسه.

  وتنادوا: عليكم الرجل، فأعجزهم ولحق بقومه. وقال في ذلك عمر بن لجأ التّيميّ:

  تمسّح يربوع سبالا لئيمة ... بها من منيّ العبد رطب ويابس

  وإيّاه عنى الأخطل بقوله:

  ويشرب قومك العجب العجيبا

  حبسه القس ثم أطلقه بشفاعة هاشمي

  : أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا محمد بن سلَّام قال زعم محمد بن حفص بن عائشة التّيميّ عن إسحاق بن عبد اللَّه بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلَّب قال:

  قدمت الشام وأنا شابّ مع أبي، فكنت أطوف في كنائسها ومساجدها؛ فدخلت كنيسة دمشق، وإذا الأخطل فيها محبوس، فجعلت أنظر إليه. فسأل عنّي فأخبر بنسبي، فقال: يا فتى، إنك لرجل شريف، وإني أسألك حاجة.

  فقلت: حاجتك مقضيّة. قال إنّ القسّ حبسني هاهنا فتكلَّمه ليخلَّي عنّي. فأتيت القسّ فانتسبت له، فرحّب وعظَّم، قلت: إنّ لي إليك حاجة. قال: ما حاجتك؟ قلت: / الأخطل تخلَّي عنه. قال: أعيذك باللَّه من هذا! مثلك لا يتكلَّم فيه، فاسق يشتم أعراض الناس ويهجوهم! فلم أزل أطلب إليه حتى مضى معي متّكئا على عصاه، فوقف عليه / ورفع عصاه وقال: يا عدوّ اللَّه! أتعود تشتم الناس وتهجوهم وتقذف المحصنات! وهو يقول: لست بعائد ولا أفعل، ويستخذي له. قال: فقلت له: يا أبا مالك، الناس يهابونك والخليفة يكرمك وقدرك في الناس قدرك، وأنت تخضع لهذا هذا الخضوع وتستخذي له!. قال: فجعل يقول لي: إنّه الدّين! إنه الدّين!.

  مر به أسقف فأمر امرأته أن تتمسح به

  : أخبرنا اليزيديّ عن عمه عبيد اللَّه عن ابن حبيب عن الهيثم بن عديّ قال:

  كانت امرأة الأخطل حاملا، وكان متمسّكا بدينه. فمرّ به الأسقفّ يوما. فقال لها: الحقية فتمسّحي به؛ فعدت فلم تلحق إلَّا ذنب حماره فتمسّحت به ورجعت. فقال لها: هو وذنب حماره سواء.

  هنأه هشام بالإسلام فأجابه

  : أخبرنا أبو خليفة قال حدّثنا ابن سلَّام قال حدّثني يونس قال قال أبو الغرّاف. سمع هشام بن عبد الملك الأخطل وهو يقول:

  وإذا افتقرت إلى الذخائر لم تجد ... ذخرا يكون كصالح الأعمال

  فقال: هنيئا لك أبا مالك هذا الإسلام!. فقال له: يا أمير المؤمنين⁣(⁣١)، ما زلت مسلما في ديني.


(١) ورد في ترجمته في «ذيل ديوانه» طبعة مطبعة الآباء اليسوعيين ببيروت أن الأخطل توفي في خلافة الوليد بن عبد الملك نحو سنة ٧١٠ ميلادية. وهشام بن عبد الملك ولي الخلافة بعد ذلك. وقد ورد هذا الخبر في «طبقات الشعراء» لابن سلام (ص ١١٥ طبعة أوروبا) وليس فيه كلمة «يا أمير المؤمنين».