كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

جرادتا عبد الله بن جدعان

صفحة 450 - الجزء 8

  تباري الرّيح مكرمة وجودا⁣(⁣١) ... إذا ما الكلب أحجره الشتاء

  إذا أثنى عليك المرء يوما ... كفاه من تعرّضه الثناء

  إذا خلَّفت عبد اللَّه فاعلم ... بأن القوم ليس لهم جزاء

  فأرضك كلّ مكرمة بناها ... بنو تيم وأنت لهم سماء

  فأبرز فضله حقّا عليهم ... كما برزت لناظرها السماء

  فهل تخفى السماء على بصير ... وهل بالشمس طالعة خفاء

  فلما أنشده أميّة هذا الشعر كانت عنده قينتان فقال: خذ أيّتهما شئت؛ فأخذ إحداهما وانصرف. فمرّ بمجلس من مجالس قريش فلاموه على أخذها وقالوا له: لقد لقيته عليلا، فلو رددتها عليه، فإن الشيخ يحتاج إلى خدمتها، كان ذلك أقرب لك عنده وأكثر من كل حقّ ضمنه لك، فوقع الكلام من أميّة موقعا وندم، ورجع إليه ليردّها عليه. فلما أتاه بها قال له ابن جدعان: لعلك إنّما رددتها لأن قريشا لا موك على أخذها وقالوا كذا وكذا، فوصف لأميّة ما قال له القوم. فقال أميّة: واللَّه ما أخطأت يا أبا زهير. فقال عبد اللَّه بن جدعان: فما الذي قلت في ذلك: فقال أميّة:

  صوت

  عطاؤك زين لامرئ إن حبوته ... ببذل وما كلّ العطاء يزين

  وليس بشين لامرئ بذل وجهه ... إليك كما بعض السؤال يشين

  / غنّت فيه جرادتا عبد اللَّه بن جدعان - فقال عبد اللَّه لأميّة: خذ الأخرى؛ فأخذهما جميعا وخرج. فلما صار إلى القوم بهما أنشأ يقول - وقد أنشدنا هذه الأبيات أحمد بن عبد العزيز الجوهريّ عن عمر بن شبّة وفيها زيادة -:

  ومالي لا أحيّيه وعندي ... مواهب يطَّلعن من النّجاد

  لأبيض من بني تيم بن كعب ... وهم كالمشرفيّات الحداد

  / لكل قبيلة هاد⁣(⁣٢) ورأس ... وأنت الرأس تقدم كلّ هادي

  له بالخيف قد علمت معدّ ... وإن البيت يرفع بالعماد

  له داع بمكَّة مشمعلّ⁣(⁣٣) ... وآخر فوق دارته ينادي

  إلى ردح⁣(⁣٤) من الشّيزي ملاء ... لباب البرّ يلبك بالشّهاد

  وقال فيه أيضا:

  ذكر ابن جدعان بخي ... ر كلَّما ذكر الكرام


(١) كذا في ج وفي سائر الأصول: «ومجدا».

(٢) الهادي: العنق لأنها تتقدّم على البدن ولأنها تهدي الجسد وكل متقدم هاد.

(٣) اشمعل القوم في الطلب إذا بادروا فيه وتفرقوا.

(٤) ردح: جمع رداح وهي الجفنة العظيمة. والشيزي: خشب أسود تتخذ منه القصاع.