كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

سلامة القس

صفحة 459 - الجزء 8

  أخيّه! نسيت لي فضلي عليك! ويلك! أين تأديب الغناء وأين حقّ التعليم! أنسيت قول جميلة يوما [وهي]⁣(⁣١) تطارحنا وهي تقول لك: خذي إحكام ما أطارحك من أختك سلَّامة، ولن تزالي بخير ما بقيت لك وكان / أمركما مؤتلفا!. قالت: صدقت خليلتي! واللَّه لا عدت إلى شيء تكرهينه؛ فما عادت لها إلى مكروه. وماتت حبابة وعاشت سلَّامة بعدها دهرا.

  احتال ابن أبي عتيق على والي المدينة حتى جعله يسمع منها ويعدل عن إبعاد المغنين من المدينة

  : أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني عمّي مصعب عن عبد الرحمن بن المغيرة الحزاميّ الأكبر قال:

  لمّا قدم عثمان بن حيّان المرّيّ المدينة واليا عليها، قال له قوم من وجوه الناس: إنّك قد وليت على كثرة من الفساد؛ فإن كنت تريد أن تصلح فطهّرها من الغناء والزّنا. فصاح في ذلك وأجلّ أهلها ثلاثا يخرجون فيها من المدينة. وكان ابن أبي عتيق غائبا، وكان من أهل الفضل والعفاف والصلاح. فلما كان آخر ليلة من الأجل قدم فقال: لا أدخل منزلي حتى أدخل على سلَّامة القسّ. فدخل عليها فقال: ما دخلت منزلي حتّى جئتكم أسلَّم عليكم. قالوا: ما أغفلك عن أمرنا! وأخبروه الخبر. فقال: اصبروا عليّ⁣(⁣٢) الليلة. فقالوا: نخاف ألَّا يمكنك شيء وننكظ⁣(⁣٣). / قال: إن خفتم شيئا فأخرجوا في السّحر. ثم خرج فاستأذن على عثمان بن حيّان فأذن له، فسلَّم عليه وذكر له غيبته وأنه جاءه ليقضي حقّه، ثم جزاه خيرا على ما فعل من إخراج أهل الغناء والزّنا، وقال: أرجو ألَّا تكون عملت عملا هو خير لك من ذلك. قال عثمان: قد فعلت ذلك وأشار به عليّ أصحابك. فقال: قد أصبت، ولكن ما تقول - أمتع اللَّه بك - في امرأة كانت هذه صناعتها وكانت تكره على ذلك ثم تركته وأقبلت على الصّلاة والصيام والخير، وأتى رسولها إليك تقول: أتوجّه إليك وأعوذ بك أن تخرجني من جوار رسول اللَّه ومسجده؟

  قال: فإنّي أدعها لك ولكلامك. قال ابن أبي عتيق: لا يدعك الناس، ولكن تأتيك وتسمع من كلامها وتنظر إليها، فإن رأيت أنّ مثلها ينبغي أن يترك تركتها؛ قال نعم. فجاءه بها وقال لها: اجعلي⁣(⁣٤) معك سبحة وتخشعي ففعلت.

  فلمّا دخل على عثمان حدّثته، وإذا هي من أعلم الناس بالناس وأعجب بها، وحدّثته عن آبائه وأمورهم ففكه لذلك. فقال لها ابن أبي عتيق: اقرئي للأمير فقرأت له؛ فقال لها أحدي له ففعلت، فكثر تعجّبه. فقال: كيف لو سمعتها في صناعتها! فلم يزل ينزله شيئا شيئا حتى أمرها بالغناء. فقال لها ابن أبي عتيق: غنّي، فغنّت:

  سددن خصاص⁣(⁣٥) الخيم لمّا دخلنه ... بكلّ لبان⁣(⁣٦) واضح وجبين

  فغنّته؛ فقام عثمان من مجلسه فقعد بين يديها ثم قال: لا واللَّه ما مثل هذه تخرج!. قال ابن أبي عتيق: لا يدعك الناس، يقولون: أقرّ سلَّامة وأخرج غيرها. قال: فدعوهم جميعا؛ فتركوهم جميعا.


(١) زيادة عن ح.

(٢) كذا في «نهاية الأرب» (ح ٥ ص ٥٤ طبع دار الكتب المصرية طبعة أولى). وفي الأصول: «إلى الليلة».

(٣) كذا في ح. يقال: أنكظة إذا أعجله عن حاجته. وفي سائر الأصول: «وتنكص».

(٤) رواية، «أ، م»: «احملي».

(٥) الخصاص: الخروق.