كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

سلامة القس

صفحة 460 - الجزء 8

  لما اشتراها رسل يزيد ورحلوا بها غنت مشيعيها عند سقاية سليمان بن عبد الملك

  : أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا عبد اللَّه بن أبي فروة قال:

  قدمت رسل يزيد بن عبد الملك المدينة فاشتروا سلَّامة المغنّية من آل رمّانة بعشرين ألف دينار. فلما خرجت من ملك أهلها طلبوا إلى الرّسل أن يتركوها عندهم أيّاما ليجهّزوها بما يشبهها من حليّ وثياب وطيب وصبغ. فقالت لهم الرسل: هذا كلَّه معنا لا حاجة بنا إلى شيء منه، وأمروها بالرّحيل. فخرجت حتى نزلت سقاية سليمان بن عبد الملك وشيّعها الخلق من أهل المدينة، فلما بلغوا السّقاية قالت للرسل: قوم كانوا يغشونني / ويسلَّمون عليّ، ولا بدّ لي من وداعهم والسلام عليهم، فأذن للناس عليها فانقضّوا حتى ملئوا رحبة القصر⁣(⁣١) ووراء ذلك؛ فوقفت بينهم⁣(⁣٢) ومعها العود، فغنّتهم:

  فارقوني وقد علمت يقينا ... ما لمن ذلق ميتة من إياب

  إنّ أهل الحصاب قد تركوني ... مولعا موزعا بأهل الحصاب

  أهل بيت تتايعوا⁣(⁣٣) للمنايا ... ما على الدهر بعدهم من عتاب

  سكنوا الجزع جزع بيت أبي مو ... سى إلى النخل من صفيّ السّباب⁣(⁣٤)

  كم بذاك الحجون⁣(⁣٥) من حيّ صدق ... وكهول أعفّة وشباب

  قال عيسى⁣(⁣٦): وكنت في الناس، فلم تزل تردّد هذا الصوت حتى راحت؛ وانتحب الناس بالبكاء عند ركوبها، فما شئت أن أرى باكيا إلَّا رأيته.

  كلفت الأحوص أن يحتال لدخول الغريض على يزيد حين قدم معه إلى دمشق

  : أخبرني الحسين بن يحيى عن حمّاد عن أبيه قال:

  وجّه يزيد بن عبد الملك إلى الأحوص في القدوم عليه، وكان الغريض معه، فقال له: اخرج معي حتى آخذ لك جائزة أمير المؤمنين وتغنّيه؛ فإنّي لا أحمل إليه شيئا هو أحبّ إليه منك، فخرجا. فلمّا قدم الأحوص على يزيد جلس له ودعا به. فأنشده مدائح فاستحسنها، وخرج من عنده؛ فبعثت إليه سلَّامة جارية يزيد بلطف. فأرسل إليها:

  إن الغريض عندي قدمت به هديّة إليك. فلمّا جاءها الجواب اشتاقت إلى الغريض وإلى الاستماع منه. فلمّا دعاها أمير المؤمنين تمارضت وبعثت إلى الأحوص: إذا دعاك أمير المؤمنين فاحتل له في أن تذكر له الغريض. فلما دعا يزيد الأحوص قال له يزيد: ويحك يا أحوص! هل سمعت شيئا في طريقك تطرفنا به؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين،


(١) لعله يريد قصر سعيد بن العاص وهو بجوار المدينة. (انظر الكلام عليه في «الأغاني» ج ١ من هذه الطبعة في الكلام على أبي قطيفة).

(٢) في «أ، م»: «فوقفت فيهم».

(٣) تتابعوا: تهافتوا. (انظر الحاشية رقم ٨ ص ٣٢١ ج ١ من هذه الطبعة).

(٤) صفيّ السباب: موضع بمكة. (انظر الحاشية رقم ٣ ص ٣٢٢).

(٥) الحجون: جبل بأعلى مكة عنده مدافن أهلها.

(٦) كذا في الأصول. ولم يتقدّم لعيسى ذكر في هذا الخبر.