كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

سلامة القس

صفحة 462 - الجزء 8

  لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع

  قد لعمري بتّ ليلي ... كأخي الداء الوجيع

  كلَّما أبصرت ربعا ... خاليا فاضت دموعي

  قد خلا من سيّد كان ... لنا غير مضيع

  ثم صاحت وا أمير المؤمنين! فعلمنا وفاته، فأصبحنا فغدونا في جنازته.

  أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا إسماعيل بن أبي أويس عن أبيه قال:

  قال يزيد بن عبد الملك ما يقرّ عيني ما أوتيت من أمر الخلافة حتى أشتري سلَّامة جارية مصعب بن سهيل الزّهريّ وحبابة جارية آل لاحق المكيّة؛ فأرسل فاشتريتا له. فلمّا اجتمعتا عنده قال: أنا الآن كما قال الشاعر:

  فألقت عصاها واستقرّ بها النّوى ... كما قرّ عينا بالإياب المسافر

  فلمّا توفّي يزيد رثته سلَّامة فقالت وهي تنوح عليه هذا الشعر:

  لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع

  إذ فقدنا سيّدا كان ... لنا غير مضيع

  وهو كاللَّيث إذا ما ... عدّ أصحاب الدروع

  يقنص الأبطال ضربا ... في مضيّ ورجوع

  أخبرنا الحسين بن يحيى قال حدّثنا الزّبير والمدائنيّ أن سلَّامة كانت لسهيل بن عبد الرحمن بن عوف، فاشتراها يزيد بن عبد الملك، وكانت مغنّية حاذقة جميلة ظريفة تقول الشعر، فما رأيت خصالا أربعا⁣(⁣١) اجتمعن في امرأة مثلها: حسن وجهها وحسن غنائها وحسن شعرها. قال: والشعر الذي كانت تغنّي به:

  /

  لا تلمنا إن خشعنا ... أو هممنا بخشوع

  للَّذي حلّ بنا اليو ... م من الأمر الفظيع

  وذكر باقي الأبيات مثل ما ذكره غيره.

  قال إسحاق وحدّثني الجمحيّ قال حدّثنا من رأى سلَّامة تندب يزيد بن عبد الملك بمرثية رثته بها، فما سمع السامعون بشيء أحسن من ذلك ولا أشجى؛ ولقد أبكت العيون وأحرقت القلوب وأفتنت⁣(⁣٢) الأسماع، وهي:

  يا صاحب القبر الغريب ... بالشأم في طرف الكثيب

  بالشأم بين صفائح ... صمّ ترصّف بالجبوب⁣(⁣٣)


(١) لم يرد في الأصول إلَّا ثلاث خصال.

(٢) هكذا في الأصول بالهمز، وهي لغة أهل نجد، وأهل الحجاز يقولون فتنته المرأة وقد جاء باللغتين قول الشاعر:

لئن فتنتني لهي بالأمس أفتنت ... سعيدا فأمسى قد قلى كل مسلم

(٣) كذا في م ونسخة الأستاذ الشنقيطي مصححة بقلمه. والجبوب: المدر المفتت. وفي ب، س، أ: «بالجنوب». وفي ج:

«بالجيوب» وكلاهما تصحيف.