نسبه وأخباره
  بينه وبين أنس بن زنيم في حضرة ابن زياد
  : أخبرني(١) عمي، قال: أنبأنا الكراني، قال: أنبأنا العمري، عن عطاء بن مصعب، عن عاصم بن الحدثان، قال:
  دخل أنس بن زنيم على عبيد اللَّه بن زياد، وعنده حارثة بن بدر، وكان بينهما تعارض ومقارضة قبل ذلك، فلما خرج أنس قال عبيد اللَّه لحارثة: أيّ رجل هو أنس عندك؟ قال: هو عندي - أصلح اللَّه الأمير - كما قلت فيه:
  يبيت بطينا من لحوم صديقه ... خميصا من التّقوى ومن طلب الحمد
  ينام إذا ما الليل جنّ ظلامه ... ويسري إلى حاجاته نومة الفهد(٢)
  يراعي عذارى قومه كلما دجا ... له الليل والسو آت كالأسد الورد
  جريئا على أكل الحرام وفعله ... جبانا عن الأقران معترم الكرد(٣)
  فلما كان من الغد، دخل أنس على عبيد اللَّه، فقال له عبيد اللَّه، بحضرة حارثة: إني سألت هذا عنك فأخبرني بما كرهته لك، ولم أكن إخالك كما نعتّ لي - فقال: أصلح اللَّه الأمير، إن يكن قال خيرا فأنا أهله، وإن قال غير ذلك فلم يعد ما هو أولى به منّي، أما واللَّه لو كان - أصلح اللَّه الأمير - حقّا، لحفظ غيبتي، فلقد أوليته حسن الثّناء بما ليس أهله، واللَّه يعلم أني كنت كاذبا، وما إخال ما قاله فيّ إلَّا عقوبة، فإن عقوبة الكذب حاضرة، وثمرة الكذب الندامة، فقد لعمري أجنيتها بكذبي وقولي فيه ما ليس فيه. وهو عندي كما أقول - أصلح اللَّه الأمير - وأنشد:
  /
  يحلى لي الطرف ابن بدر وإنني ... لأعرف في وجه ابن بدر لي البغضا
  رآني شجّا في حلقه ما يسيغه ... فما إن يزال الدهر يجرض بي جرضا(٤)
  وما لي من ذنب إليه علمته ... سوى أن رآني في عشيرته محضا
  وإنّ ابن بدر في تميم مكركس ... إذا سيم خسفا أو مشنّعة أغضى(٥)
  فعش يا بن بدر ما بقيت كما أرى ... كثير الخنا لا تسأم الذلّ والغضّا
  تعيب الرجال الصالحين وفعلهم ... وتبذل بخلا دون ما نلته العرضا
  وترضى بما لا يرتضي الحرّ مثله ... وذو الحلم بالتّخييس والذّلّ لا يرضى(٦)
  قال: وقال أنس في حارثة بن بدر ينسبه إلى الخمر والفجور:
  أحار بن بدر باكر الراح إنها ... تنسّيك ما قدّمت في سالف الدّهر
(١) هذا الخبر ساقط من أ، ب.
(٢) الفهد: حيوان معروف، وبه يضرب المثل في كثرة النوم.
(٣) الكرد، بالفتح: العنق، أو أصله. ومعترمه: صلبه شديده.
(٤) يجرض: خفص.
(٥) المكركس، بفتح الكافين بينهما سكون: من ولدته الإماء.
(٦) التخييس: الإذلال.