كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

نسبه وأخباره

صفحة 509 - الجزء 8

  أنس ابن زياد به وقصة ذلك

  : أخبرني⁣(⁣١) محمد بن يحيى، قال: حدّثنا محمد بن زكريا، قال: حدّثنا محمد ابن معاوية الزيادي، عن القحذمي، قال:

  كان حارثة بن بدر فصيحا بليغا عارفا بأخبار الناس وأيامهم، حلوا شاعرا ذا فكاهة، فكان زياد يأنس به طول حياته، فلما مات وولي عبيد اللَّه ابنه، كان يجفوه، فدخل إليه في جمهور الناس، فجلس متواريا منه حتى خفّ الناس، ثم قام فأذكره بحقوقه على زياد وأنسه به. فقال له: ما أعرفني بما قلت! غير أنّ أبي كان قد عرفه الناس وعرفوا سيرته، فلم يكن يلصق به من أهل الرّيبة مثل ما يلحقني، مع الشباب وقرب العهد بالإمارة، فأما إن قلت ما قلت فاختر مجالستي إن شئت ليلا وإن شئت نهارا. فقال: الليل أحبّ إليّ. فكان يدعوه ليلا فيسامره، فلما عرفه استحلاه، فغلب عليه ليله ونهاره حتى كان يغيب فيبعث من يحضره، فجاءه ليلة وبوجهه آثار، فقال له: ما هذا يا حار؟ قال: / ركبت فرسي الأشقر⁣(⁣٢) فلجّج بي مضيقا⁣(⁣٣) فسحجني. قال: لكنك لو ركبت أحد الأشهبين لم يصبك شيء من هذا. يعني: اللبن والماء⁣(⁣٣).

  طلاقه لزوجته وحسرته عليها

  : أخبرني محمد بن يحيى، قال: أنبأنا محمد بن زكريا، قال: أنبأنا محمد ابن معاوية الزيادي، عن القحذمي، عن عمه، قال:

  خرج حارثة بن بدر إلى سلَّم بن زياد بخراسان فأوصى رجلا من غدانة أن يتعاهد امرأته الشّماء ويقوم بأمرها، فكان الغدانيّ يأتيها فيتحدث عندها ويطيل، حتى أحبّها وصبا بها، فكتب إلى حارثة يخبره أنها فسدت عليه وتغيّرت، ويشير عليه بفراقها، ويقول له: إنها قد فضحتك من تلعّب الرجال بها. فكتب إليها بطلاقها، وكتب في آخر كتابه:

  ألا آذنا شمّاء بالبين إنه ... أبى أود الشمّاء أن يتقوّما

  قال: فلما طلَّقها وقضت عدّتها، خطبها الغدانيّ فتزوجها، وكان حارثة شديد الحبّ لها، وبلغه ذلك، وما صنعت، فقال:

  لعمرك ما فارقت شمّاء عن قلى ... ولكن أطلت النّأي عنها فملَّت

  مقيما بمرورّوذ لا أنا قافل ... إليها ولا تدنو إذا هي حلَّت

  رثاء زوجته له

  : أخبرني محمد بن يحيى، قال: أنبأنا محمد بن زكريا، قال: أنبأنا مهدي بن سابق، قال: أنبأنا عطاء، عن عاصم بن الحدثان، قال:


(١) هذا الخبر والأخبار الثلاثة بعده ساقطة من أ، ب.

(٢) يعني: الخمر.

(٣) لجج: إذا خاض لجة.