كثير عزة
  بنو النّضر ترمي من ورائك بالحصى ... أولو حسب فيهم وفاء ومصدق
  يفيدونك المال الكثير ولم تجد ... لملكهم شبها لو انّك تصدق
  إذا ركبوا ثارت عليك عجاجة ... وفي الأرض من وقع الأسنّة أولق(١)
  فأجابه الأحوص بقوله:
  دع القوم ما حلَّوا ببطن قراضم(٢) ... وحيث تفشّى(٣) بيضه المتفلَّق
  فإنّك لو قاربت أو قلت شبهة ... لذي الحقّ فيها والمخاصم معلق
  عذرناك أو قلنا صدقت وإنما ... يصدّق بالأقوال من كان يصدق
  ستأبى بنو عمرو عليك وينتمي ... لهم حسب في جذم(٤) غسّان معرق
  فإنّك لا عمرا أباك حفظته ... ولا النّضر إن ضيّعت شيخك تلحق
  / ولم تدرك القوم الذين طلبتهم ... فكنت كما كان السّقاء المعلَّق
  بجذمة(٥) ساق ليس منه لحاؤها(٦) ... ولم يك عنها قلبه يتعلَّق
  فأصبحت كالمهريق فضلة مائه ... لبادي سراب بالملا(٧) يترقرق
  قال: فخرج كثيّر فأتى الكوفة، فرمي به إلى مسجد بارق. فقالوا له: أنت من أهل الحجاز؟ قال نعم. قالوا: فأخبرنا عن رجل شاعر ولد زنا يدعى كثيّرا. قال سبحان اللَّه! أمّا تسمعون أيها المشايخ ما يقول الفتيان! قالوا: هو ما قاله لنفسه. فانسلّ منهم وجاء إلى والي الكوفة حسّان بن كيسان، فطَّيره على البريد. وقال عمر بن شبّة في خبره: إنّ سراقة البارقيّ هو المخاطب له بهذه الشتيمة وإنه عرفه وقال له: إن قلت هذا على المنبر قتلتك قحطان وأنا أوّلهم، فانصرف إلى منزله ولم يعد إلى عبد الملك.
  نبذة عن سراقة البارقي وقصته مع المختار حين أسر:
  وكان سراقة هذا شاعرا ظريفا. فأخبرني عمّي قال حدّثني الكرانيّ عن النّضر بن عمر(٨) عن الهيثم بن عديّ عن الأعمش عن إبراهيم قال:
  كان سراقة البارقيّ من ظرفاء أهل العراق، فأسره المختار يوم جبّانة(٩) السّبيع، وكانت للمختار فيها وقعة
(١) الأولق: الجنون.
(٢) قراضم: موضع بالمدينة.
(٣) كذا في «معجم ياقوت» في الكلام على قراضم. وفي الأصول: «تغشى» بالغين المعجمة.
(٤) الجذم: الأصل.
(٥) كذا في ج: والجذمة: القطعة. وفي سائر الأصول: «بخدمة ساق». ويتعلق: لعل صوابه «يتفلق». أي ولم يكن قلبه منشقا عنها.
(٦) اللحاء: قشر الشجرة.
(٧) الملا: الصحراء.
(٨) في ح هنا: «عمرو».
(٩) جبانة السبيع: محلة بالكوفة مضافة إلى السبيع وهي قبيلة؛ وكانت وقعة المختار بن أبي عبيد الثقفي بها حين خرج للثأر من قتلة الحسن بن علي بن أبي طالب. الطبري (ق ٢ ج ٢).