كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

كثير عزة

صفحة 14 - الجزء 9

  فقال له عليّ بن عبد اللَّه: يا أبا صخر، ما يثني عليك في هواك خيرا إلَّا من كان على مثل مذهبك. قال: أجل بأبي أنت وأمي!. قال: وكان كثيّر كيسانيا⁣(⁣١) يرى الرّجعة. قال الزّبير: أبو خبيب عبد اللَّه بن الزّبير، كناه بابنه خبيب وهو أكبر ولده، وكان كثيّر سيّئ الرأي فيه. قال الزّبير: فأخبرني عمّي قال: لمّا قال كثيّر:

  هو المهديّ خبّرناه كعب ... أخو الأحبار في الحقب الخوالي

  / فقيل له: ألقيت كعبا؟ قال: لا. قيل: فلم قلت «خبّرناه كعب»؟ قال: بالتوهّم.

  غلوه في التشيع والقول بالرجعة وأخبار له في ذلك:

  قال: وكان كثيّر شيعيا غاليا يزعم أن الأرواح تتناسخ، ويحتجّ بقول اللَّه تعالى: {فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ} ويقول: ألا ترى أنه حوّله من صورة⁣(⁣٢) في صورة!.

  قال: فحدّثني عمر بن أبي بكر المؤمّليّ عن عبد اللَّه بن أبي عبيدة قال: خندف الأسديّ الذي أدخل كثيّرا في الخشبيّة.

  أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني إبراهيم بن المنذر الحزاميّ عن محمد ابن معن الغفاريّ قال:

  كنّا بالسّيالة⁣(⁣٣) في مشيخة نتحدّث، إذا بكثيّر قد طلع علينا متّكئا على عصا.

  فقال: كنّا ببيداء⁣(⁣٤) بأشراف السّيالة وبهذه الناحية، فما بقي موضع⁣(⁣٥) ببيداء إلَّا وقد جئته، فإذا هو على حاله ما تغيّر وما تغيّرت الجبال ولا الموضع الذي كنا نطوف فيه، وهذا يكون حتى نرجع إليه. وكان يؤمن بالرّجعة.

  أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني يحيى بن محمد قال:

  دخل عبد اللَّه بن حسن على كثيّر يعوده في مرضه الذي مات فيه. فقال له كثيّر: أبشر! فكأنّك بي بعد أربعين ليلة قد طلعت عليك على فرس عتيق. فقال له عبد اللَّه بن حسن: مالك عليك لعنة اللَّه! فو اللَّه لئن متّ لا أشهدك ولا أعودك ولا أكلَّمك أبدا.

  كان أبو هاشم يتجسس أخباره:

  / أخبرني الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني يحيى بن محمد بن عبد الملك بن عبد العزيز أحسبه عن ابن الماجشون قال:

  / وكان أبو هاشم عبد اللَّه بن محمد بن عليّ قد وضع الأرصاد على كثيّر فلا يزال يؤتّى بالخبر من حبره، فيقول له إذا لقيه: كنت في كذا وكنت في كذا، إلى أن جرى بين كثيّر وبين رجل كلام فأتي به أبو هاشم. فأقبل به على


= الشام فسكن حمص حتى توفي بها سنة اثنتين وثلاثين في خلافة عثمان بن عفان. (انظر «طبقات ابن سعد» ج ٧ ق ٢ ص ١٥٦ طبع أوروبا).

(١) في ج: «خشبيا». والخشبية: قوم من الجهمية يقولون إن اللَّه تعالى لا يتكلم وإن القرآن مخلوق. وقال ابن الأثير: هم أصحاب المختار بن أبي عبيد، ويقال: هم ضرب من الشيعة. وفي سبب تسميتهم بالخشبية خلاف ذكره شارح «القاموس» في مادة خشب.

(٢) لعله: «إلى صورة».

(٣) السيالة: بجوار المدينة، قيل: هي أوّل مرحلة لأهل المدينة إذا أرادوا مكة.

(٤) بيداء: يريد بها موضعا بعينه.

(٥) في الأصول: «فما بقي موضع ببيداء فيه إلَّا وقد جئته ... إلخ». وظاهر أن كلمة «فيه» مقحمة من الناسخ.