كثير عزة
  /
  أبت إبلي ماء الرّداة(١) وشفّها ... بنو العمّ يحمون النّضيح(٢) المبرّدا
  وما يمنعون الماء إلَّا ضنانة ... بأصلاب عسرى(٣) شوكها قد تخدّدا
  فعادت فلم تجهد على فضل مائه ... رياحا ولا سقيا ابن طلق بن أسعدا
  قال: ويروى أنّه أوّل شعر قاله.
  روايته عن بدء قوله الشعر:
  أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني عمّي قال:
  قال كثيّر: ما قلت الشعر حتى قوّلته. قيل له: وكيف ذاك؟ قال: بينا أنا يوما نصف النهار أسير على بعير لي بالغميم(٤) أو بقاع حمدان(٥)، إذا راكب قد دنا منّي حتى صار إلى جنبي، فتأمّلته فإذا هو من صفر(٦) وهو يجرّ نفسه في الأرض جرا. فقال لي: قل الشعر وألقاه عليّ. قلت: من أنت؟ قال: أنا قرينك من الجنّ. فقلت الشعر.
  عزة عشيقته وأول عشقه لها:
  ونسب كثيّر لكثرة تشبيبه بعزّة الضّمريّة إليها، وعرف بها فقيل(٧) كثيّر عزّة. وهي عزّة بنت حميل(٨) بن وقّاص. أخبرني الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير قال حدّثني محمد بن الحسن قال:
  أبو بصرة(٨) الغفاريّ المحدّث واسمه حميل بن وقّاص هو أبو عزّة التي كان ينسب بها كثيّر. وكان ابتداء عشقه إيّاها - على أنه قد قيل: إنه كان في ذلك / كاذبا ولم يكن بعاشق، وذلك يذكر بعد خبره معها - فيما أخبرني به الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني عبد اللَّه بن إبراهيم / السعديّ قال حدّثني إبراهيم بن يعقوب بن جميع الخزاعيّ:
  أنه كان أوّل عشق كثيّر عزّة أن كثيّرا مرّ بنسوة من بني ضمرة ومعه جلب غنم، فأرسلن إليه عزّة وهي صغيرة، فقالت: يقلن(٩) لك النسوة: بعنا كبشا من هذه الغنم وأنسئنا بثمنه إلى أن ترجع، فأعطاها كبشا وأعجبته. فلما رجع جاءته امرأة منهنّ بدراهمه، فقال: وأين الصبيّة التي أخذت منّي الكبش؟ قالت: وما تصنع بها! هذه دراهمك. قال:
  لا آخذ دراهمي إلَّا ممن دفعت الكبش إليها. وخرج وهو يقول:
  قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها
  قال: فكان أوّل لقائه إياها.
(١) الرداة: الصخرة.
(٢) النضيح: الحوض. وفي الأصول: «النصيح» بالصاد المهملة وهو تصحيف.
(٣) العسرى (بفتح العين وضمها): البقلة إذا يبست. ورواية «لسان العرب» (مادة عسر): «بأطراف عسرى».
(٤) الغميم: موضع قرب المدينة بين رابغ والجحفة.
(٥) ظاهر أنه موضع بعينه.
(٦) الصفر: النحاس.
(٧) عبارة أ، م: «ونسب كثير إلى عزة لكثرة تشبيبه بعزة الضمرية وغزله فيها فقيل ... إلخ».
(٨) اختلف في اسم أبي بصرة هذا فقيل: هو حميل (بالحاء المهملة مصغرا) وقيل جميل (بالجيم) وكل ذلك مضبوط محفوظ. وهو أبو بصرة حميل (أو جميل) بن بصرة بن وقاص بن حبيب بن غفار؛ له صحبة برسول اللَّه ﷺ وروي عنه أبو هريرة. في الأصول:
«حميد بن وقاص» وهو تحريف. (راجع «الاستيعاب في معرفة الأنساب»).
(٩) إثبات نون النسوة هنا لغة ضعيفة.