كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

كثير عزة

صفحة 21 - الجزء 9

  دخلت عزّة على عبد الملك بن مروان وقد عجزت، فقال لها أنت عزّة كثير! فقالت: أبا عزّة بنت حميل.

  قال: أنت التي يقول لك كثيّر:

  لعزّة نار ما تبوخ⁣(⁣١) كأنها ... إذا ما رمقناها من البعد كوكب

  فما الذي أعجبه منك؟ قالت: كلَّا يا أمير المؤمنين! فو اللَّه لقد كنت في عهده أحسن من النار في الليلة القرّة. وفي حديث محمد بن صالح الأسلميّ: فقالت له: أعجبه منّي ما أعجب المسلمين منك حين صيّروك خليفة. قال:

  وكانت له سنّ سوداء يخفيها، فضحك حتى بدت. فقالت له: هذا الذي أردت أن أبديه. فقال لها: هل تروين قول كثيّر فيك:

  وقد زعمت أنّي تغيّرت بعدها ... ومن ذا الَّذي يا عزّ لا يتغيّر

  تغيّر جسمي والخليفة كالَّتي ... عهدت ولم يخبر بسرّك مخبر

  قالت [لا⁣(⁣٢)!] ولكني أروي قوله:

  كأنّي أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصّمّ لو تمشي بها العصم زلَّت

  صفوحا⁣(⁣٣) فما تلقاك إلَّا بخيلة ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملَّت

  فأمر بها فأدخلت على عاتكة بنت يزيد - وفي غير هذه الرواية: أنها أدخلت على أمّ البنين بنت عبد العزيز بن مروان - فقالت لها: أرأيت قول كثيّر:

  /

  قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها

  ما هذا الذي ذكره؟ قالت: قبلة وعدته إياها. قالت: أنجزيها وعليّ إثمها.

  قصة غلام له مع عزة وإعتاقه بسبب ذلك:

  أخبرنا الحسن بن الطيّب البجليّ الشّجاعيّ وأحمد بن عبد العزيز الجوهريّ وحبيب بن نصر المهلَّبيّ قالوا حدّثنا عمر بن شبّة قال روى ابن جعدبة عن أشياخه، وأخبرنا الحرميّ بن أبي العلاء قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثنا أبو بكر بن يزيد بن عياض بن جعدبة عن أبيه.

  أنّ كثيّرا كان له غلام تاجر، فباع من عزّة بعض سلعه ومطلته مدّة وهو لا يعرفها. فقال لها يوما: أنت واللَّه كما قال مولاي:

  قضى كلّ ذي دين فوفّى غريمه ... وعزّة ممطول معنّى غريمها

  فانصرف عنه خجلة. فقالت له امرأة: أتعرف عزّة؟ قال: لا واللَّه!. قالت: فهذه واللَّه عزّة. فقال: لا جرم واللَّه لا آخذ منها شيئا أبدا ولا أقتضيها. ورجع إلى كثيّر فأخبره بذلك، فأعتقه ووهب له المال الذي كان في يده.


(١) تبوخ: تسكن.

(٢) هذه الكلمة ساقطة من ب، س.

(٣) صفوحا: معرضة صادّة.