كثير عزة
  لقيت قسيمة بنت عياض عزة ووصفتها:
  أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير بن بكَّار قال حدّثني يعقوب بن حكيم السّلميّ عن قسيمة بنت عياض بن سعيد الأسلميّة، وكنيتها أمّ البنين، قالت:
  سارت علينا عزّة في جماعة من قومها بين يدي يربوع وجهينة، فسمعنا بها، فاجتمعت جماعة من نساء الحاضر أنا فيهن، فجئناها فرأينا امرأة حلوة حميراء(١) نظيفة، فتضاء لنا لها، ومعها نسوة كلهن لها عليهن فضل من الجمال والخلق، إلى أن تحدّثت ساعة فإذا هي أبرع الناس وأحلاهم حديثا، فما فارقناها إلَّا ولها علينا الفضل / في أعيننا، وما نرى في الدّنيا امرأة تروقها(٢) جمالا وحسنا وحلاوة.
  سأل عبد الملك كثيّرا عن أعجب خبر له مع عزة فذكر له ملاقاتها له مع زوجها إذ أمرها بشتمه:
  أخبرني عمّي قال حدّثني فضل اليزيديّ عن إسحاق الموصليّ عن أبي نصر (شيخ له) عن الهيثم بن عدي:
  أنّ عبد الملك سأل كثيّرا عن أعجب خبر له مع عزّة، فقال:
  حججت سنة من السنين وحج زوج عزة بها، ولم يعلم أحد منّا بصاحبه. فلمّا كنا ببعض الطريق أمرها زوجها بابتياع سمن تصلح به طعاما لأهل رفقته، فجعلت تدور الخيام(٣) خيمة خيمة حتى دخلت إليّ وهي لا تعلم أنها خيمتي، وكنت أبري أسهما لي. فلما رأيتها جعلت أبري وأنا أنظر إليها ولا أعلم حتى بريت عظامي مرّات ولا أشعر به والدم يجري. فلما تبيّنت ذلك دخلت إليّ فأمسكت يدي وجعلت تمسح الدم عنها بثوبها، وكان عندي نحي(٤) من سمن، فحلفت لتأخذنّه، فأخذته وجاءت إلى زوجها بالسمن. فلما رأى الدم سألها عن خبره فكاتمته، حتى حلف لتصدقنّه فصدقته، فضربها وحلف لتشتمنّي في وجهي. فوقفت عليّ وهو معها فقالت لي: يا بن الزانيّة وهي تبكي، ثم انصرفا. فذلك حين أقول:
  يكلَّفها الخنزير شتمي وما بها ... هواني ولكن للمليك استذلَّت
  نسبة ما في هذه القصيدة من الغناء:
  صوت
  خليليّ هذا رسم(٥) عزّة فاعقلا ... قلو صيكما ثم ابكيا حيث حلَّت
  وما كنت أدري قبل عزّة ما البكا ... ولا موجعات القلب(٦) حتّى تولَّت
  / فليت قلوصي عند عزّة قيّدت ... بحبل ضعيف بان منها فضلَّت
  وأصبح في القوم المقيمين رحلها ... وكان لها باغ سواي فبلَّت(٧)
(١) أي بيضاء. والعرب يقولون الأحمر والحمراء في نعت الآدميين ويريدون الأبيض والبيضاء.
(٢) لعله: «تفوقها».
(٣) نصب «الخيام» إما على حذف حرف الجر، وإما على تضمين «تدور» معنى تجوز المتعدّي.
(٤) النحى: زق للسمن.
(٥) في «كتاب الشعر والشعراء»: «ربع عزة».
(٦) في ج و «كتاب الشعر والشعراء»: «موجعات الحزن».
(٧) يقال: بلت مطيته على وجهها إذا ذهبت في الأرض ضالة.