كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

كثير عزة

صفحة 23 - الجزء 9

  فقلت لها يا عزّ كلّ مصيبة ... إذا وطَّنت يوما لها النفس ذلَّت

  أسيئي بنا أو أحسني، لا ملومة ... لدينا ولا مقليّة إن تقلَّت⁣(⁣١)

  هنيئا مريئا غير داء مخامر ... لعزّة من أعراضنا ما استحلَّت

  تمنّيتها حتّى إذا ما رأيتها ... رأيت المنايا شرّعا قد أظلَّت

  كأنّي أنادي صخرة حين أعرضت ... من الصّمّ لو تمشي بها العصم زلَّت

  صفوحا فما تلقاك إلَّا بخيلة ... فمن ملّ منها ذلك الوصل ملَّت

  أصاب الرّدى أن كان يهوى لك الرّدى ... وجنّ اللواتي قلن عزّة جنّت

  عروضه من الطويل. غنّى معبد في الخمسة الأول ثقيلا أوّل بالوسطى. وغنى إبراهيم في الثالث والرابع ثقيلا أوّل بالبنصر عن عمرو، وغنّى في «هنيئا مريئا» والذي بعده خفيف رمل بالوسطى. وغنّى إبراهيم في الخامس وما بعده ثاني ثقيل. وذكر الهشاميّ أنّ لابن سريج في «هنيئا مريئا» وما بعده ثاني ثقيل بالبنصر. وذكر أحمد بن المكيّ أن لإبراهيم في «كأني أنادي» والذي بعده وفي «أسيئي بنا أو أحسني» هزجا بالسبّابة في مجرى البنصر، ولإسحاق فيه هزج آخر به⁣(⁣٢). ولعريب في «كأني أنادي» أيضا رمل. ولإسحاق في «وما كنت / أدري» ثقيل أوّل. وله في «أصاب الردى» ثقيل أوّل آخر، وقيل: إن لإبراهيم في «فقلت لها يا عزّ» خفيف ثقيل ينسب إلى دحمان وإلى سياط.

  اجتمعا ذات ليلة ووصف ذلك صديق له:

  أخبرني الحرميّ وحبيب بن نصر قالا حدّثنا الزّبير قال حدّثنا يعقوب بن حكيم عن إبراهيم بن أبي عمرو الجهنيّ عن أبيه قال:

  سارت علينا عزّة في جماعة من قومها، فنزلت حيالنا. فجاءني كثيّر ذات يوم فقال لي: أريد أن أكون عندك اليوم فأذهب إلى عزّة، فصرت به إلى منزلي. فأقام عندي حتى كان العشاء، ثم أرسلني إليها وأعطاني خاتمه وقال:

  إذا سلَّمت فستخرج إليك جارية، فادفع إليها خاتمي وأعلمها مكاني. فجئت بيتها فسلَّمت فخرجت إليّ الجارية فأعطيتها الخاتم. فقالت: أين الموعد؟ قلت: صخرات أبي عبيد الليلة، فواعدتها هناك، فرجعت إليه فأعلمته.

  فلما أمسى قال لي: انهض بنا، فنهضنا⁣(⁣٣) فجلسنا هناك نتحدّث حتى جاءت من الليل فجلست فتحدّثا فأطالا، فذهبت لأقوم. فقال لي: إلى أين تذهب؟ فقلت: أخلَّيكما ساعة لعلكما تتحدّثان ببعض ما تكتمان. قال لي:

  اجلس! فو اللَّه ما كان بيننا شيء قطَّ. فجلست وهما يتحدّثان وإنّ بينهما لثمامة⁣(⁣٤) عظيمة هي من ورائها جالسة حتى أسحرنا، ثم قامت فانصرفت، وقمت أنا وهو، فظلّ عندي حتى أمسى ثم انطلق.

  سامته سكينة بجمله فلما رأى عزة معها تركه لهم:

  أخبرنا الحرميّ قال حدّثنا الزّبير قال حدّثنا إسحاق بن إبراهيم عن عبد اللَّه بن سعيد بن أبان بن سعيد بن العاصي قال:


(١) تقلى: تبغض. أي لا هي ملومة لدينا ولا مقلية إن تقلت أي تبغضت. خاطبها أوّلا ثم غايب أي ذكرها بضمير الغيبة.

(٢) لعله: «بها» أي بالسبابة في مجرى البنصر.

(٣) في ج: «فمضينا».

(٤) كذا في «تجريد الأغاني» والثمام: نبت ضعيف شبيه بالخوص. وفي الأصول: «لهامة» وهو تحريف.