كثير عزة
  أخلوت معك في بيت أو غير بيت قطَّ؟! قال. لم أقله، ولكنني قلت:
  فأقسم لو أتيت البحر يوما ... لأشرب ما سقتني من بلال
  وأقسم إنّ حبّك أمّ عمرو ... لداء عند(١) منقطع السّعال
  قالت: أمّا هذا فنعم. فأتينا عبد العزيز(٢) ثم عدنا، فقال كثيّر: عليك السلام يا عزّة قالت: عليك السلام يا جمل.
  فقال كثيّر.
  صوت
  حيتك عزّة بعد الهجر فانصرفت ... فحيّ وحيك من حيّاك يا جمل
  لو كنت حيّيتها ما زلت ذامقة(٣) ... عندي وما مسّك الإدلاج والعمل
  ليت التحيّة كانت لي فأشكرها ... مكان يا جمل حيّيت يا رجل
  ذكر يونس أنّ في هذه الأبيات غناء لمعبد. وذكر الهشاميّ أن فيها لبثينة خفيف رمل بالبنصر. وذكر حبش أنّ فيها للغريض خفيف ثقيل أوّل بالوسطى، ولإبراهيم ثاني ثقيل بالوسطى.
  قصته مع أم الحويرث الخزاعية وحديث عشقه لها:
  أخبرني عمّي قال حدّثني الحسن بن عليل العنزيّ قال حدّثني عليّ بن محمد البرمكيّ قال حدّثني إبراهيم بن المهديّ قال:
  قدم عليّ هشام بن محمد الكلبيّ فسألته عن العشّاق يوما فحدّثني قال: تعشّق كثيّر امرأة من خزاعة يقال لها أمّ الحويرث فنسب بها، وكرهت أن يسمّع بها ويفضحها كما سمّع بعزّة، فقالت له: إنك رجل فقير لا مال لك، فابتغ ما لا يعفّى(٤) عليك ثم تعال فاخطبني كما يخطب الكرام. قال: فاحلفي لي ووثّقي أنّك لا تتزوّجين حتى أقدم عليك، فحلفت ووثّقت له. فمدح عبد الرحمن بن إبريق(٥) الأزديّ، فخرج إليه، فلقيته ظباء سوانح ولقي غرابا يفحص التراب بوجهه، فتطيّر من ذلك حتى قدم على حيّ من لهب(٦) فقال: أيّكم يزجر؟ فقالوا: كلَّنا، فمن تريد؟
  قال: أعلمكم بذاك. قالوا: ذاك الشيخ المنحني الصّلب. فأتاه فقصّ عليه القصة، فكره ذلك له وقال له: قد توفّيت أو تزوجت رجلا من بني عمّها. فأنشأ يقول:
  صوت
  تيمّمت لهبا أبتغي العلم عندهم ... وقد ردّ علم العائفين إلى لهب
(١) كذا في «تجريد الأغاني». ويعني بمنقطع السعال: الصدر. وقد ورد هذا الشعر في كتاب «الشعر والشعراء» هكذا: «لدى جنبي ومنقطع السعال». وفي الأصول: «لداء عند منقطع السؤال» وهو تحريف.
(٢) يريد عبد العزيز بن مروان والي مصر من قبل أخيه عبد الملك بن مروان.
(٣) المقة: المحبة.
(٤) أي يصلحك ويحل الغنى منك محل الفقر.
(٥) في «تجريد الأغاني»: «عبد الرحمن بن الأبرش الأزدي».
(٦) لهب: قبيلة من اليمن معروفة بالعيافة وزجر الطير.