كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر امرئ القيس ونسبه وأخباره

صفحة 70 - الجزء 9

  في ذلك أشعارا يشهّرها بها في العرب فيفضحها ويفضحك. فبعث إليه حينئذ بحلَّة وشي مسمومة منسوجة بالذهب وقال له: إني أرسلت إليك بحلَّتي التي كنت ألبسها تكرمة لك، فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة، واكتب إليّ بخبرك من منزل منزل. فلما / وصلت إليه لبسها واشتدّ سروره بها؛ فأسرع فيه السمّ وسقط جلده؛ فلذلك سمّي ذا القروح، وقال في ذلك:

  لقد طمح الطمّاح من بعد أرضه ... ليلبسني ممّا يلبّس أبؤسا⁣(⁣١)

  فلو أنها نفس بموت سويّة ... ولكنّها نفس تساقط أنفسا

  قال: فلما صار إلى بلدة من بلاد الروم تدعى أنقرة احتضر بها؛ فقال:

  رب خطبة مسحنفره ... وطعنة مثعنجره⁣(⁣٢)

  وجفنة متحيّره ... حلَّت بأرض أنقره

  ورأى قبر امرأة من أبناء الملوك ماتت هناك فدفنت في سفح جبل يقال له عسيب؛ فسأل عنها فأخبر بقصتها، فقال:

  /

  أجارتنا إنّ المزار قريب ... وإنّي مقيم ما أقام عسيب

  / أجارتنا إنّا غريبان هاهنا ... وكلّ غريب للغريب نسيب

  ثم مات فدفن إلى جنب المرأة، فقبره هناك.

  عبد الملك بن عمير يحدث عمر بن هبيرة بحديث عنه فيسرّ به ويجيزه:

  أخبرني محمد بن القاسم عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال:

  قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة، فأرسل إلى عشرة أنا أحدهم من وجوه الكوفة فسمروا عنده، ثم قال:

  ليحدّثني كلّ رجل منكم أحدوثة وابدأ أنت يا أبا عمر⁣(⁣٣). فقلت أصلح اللَّه الأمير! أحديث الحقّ أم حديث الباطل؟

  قال: بل حديث الحق. قلت: إنّ امرأ القيس آلى بأليّة ألَّا يتزوّج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة وثنتين؛ فجعل


(١) في «ديوانه»:

وبدلت قرحا داميا بعد صحة ... لعل منايانا تحولن أبؤسا

لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا

(٢) يقال: اسحنفر في خطبته إذا مضى واتسع في كلامه. والمثعنجرة: السائلة، يقال: ثعجر الدم فاثعنجر إذا صبه فاتصب. والجفنة المتحيرة: الممتلئة طعاما ودسما. وهذه الشطرة الثالثة غير متزنة. وقد ورد هذا الشعر في مقدمة «ديوانه» المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية برقم ١٣ أدب ش:

وطعنة مثعنجره ... وخطبة مسحنفره

وجفنة مدعثره ... تبقى غدا بأنقره

والجفنة المدعثرة: وورد في «اللسان» (مادة ثعجر) وكتاب «الشعر والشعراء» وليس فيهما هذا الشطر؛ ففي «اللسان»:

رب جفنة مثعنجره ... وطعنة مسحنفره

تبقى غدا بأنقره

وفي «الشعر والشعراء»:

وطعنة مسحنفره ... وجفنة مثعنجره

تبقى غدا بأنقره

(٣) يكنى عبد الملك بن عمير أبا عمر وأبا عمرو.