ذكر امرئ القيس ونسبه وأخباره
  في ذلك أشعارا يشهّرها بها في العرب فيفضحها ويفضحك. فبعث إليه حينئذ بحلَّة وشي مسمومة منسوجة بالذهب وقال له: إني أرسلت إليك بحلَّتي التي كنت ألبسها تكرمة لك، فإذا وصلت إليك فالبسها باليمن والبركة، واكتب إليّ بخبرك من منزل منزل. فلما / وصلت إليه لبسها واشتدّ سروره بها؛ فأسرع فيه السمّ وسقط جلده؛ فلذلك سمّي ذا القروح، وقال في ذلك:
  لقد طمح الطمّاح من بعد أرضه ... ليلبسني ممّا يلبّس أبؤسا(١)
  فلو أنها نفس بموت سويّة ... ولكنّها نفس تساقط أنفسا
  قال: فلما صار إلى بلدة من بلاد الروم تدعى أنقرة احتضر بها؛ فقال:
  رب خطبة مسحنفره ... وطعنة مثعنجره(٢)
  وجفنة متحيّره ... حلَّت بأرض أنقره
  ورأى قبر امرأة من أبناء الملوك ماتت هناك فدفنت في سفح جبل يقال له عسيب؛ فسأل عنها فأخبر بقصتها، فقال:
  /
  أجارتنا إنّ المزار قريب ... وإنّي مقيم ما أقام عسيب
  / أجارتنا إنّا غريبان هاهنا ... وكلّ غريب للغريب نسيب
  ثم مات فدفن إلى جنب المرأة، فقبره هناك.
  عبد الملك بن عمير يحدث عمر بن هبيرة بحديث عنه فيسرّ به ويجيزه:
  أخبرني محمد بن القاسم عن مجالد بن سعيد عن عبد الملك بن عمير قال:
  قدم علينا عمر بن هبيرة الكوفة، فأرسل إلى عشرة أنا أحدهم من وجوه الكوفة فسمروا عنده، ثم قال:
  ليحدّثني كلّ رجل منكم أحدوثة وابدأ أنت يا أبا عمر(٣). فقلت أصلح اللَّه الأمير! أحديث الحقّ أم حديث الباطل؟
  قال: بل حديث الحق. قلت: إنّ امرأ القيس آلى بأليّة ألَّا يتزوّج امرأة حتى يسألها عن ثمانية وأربعة وثنتين؛ فجعل
(١) في «ديوانه»:
وبدلت قرحا داميا بعد صحة ... لعل منايانا تحولن أبؤسا
لقد طمح الطماح من بعد أرضه ... ليلبسني من دائه ما تلبسا
(٢) يقال: اسحنفر في خطبته إذا مضى واتسع في كلامه. والمثعنجرة: السائلة، يقال: ثعجر الدم فاثعنجر إذا صبه فاتصب. والجفنة المتحيرة: الممتلئة طعاما ودسما. وهذه الشطرة الثالثة غير متزنة. وقد ورد هذا الشعر في مقدمة «ديوانه» المخطوط المحفوظ بدار الكتب المصرية برقم ١٣ أدب ش:
وطعنة مثعنجره ... وخطبة مسحنفره
وجفنة مدعثره ... تبقى غدا بأنقره
والجفنة المدعثرة: وورد في «اللسان» (مادة ثعجر) وكتاب «الشعر والشعراء» وليس فيهما هذا الشطر؛ ففي «اللسان»:
رب جفنة مثعنجره ... وطعنة مسحنفره
تبقى غدا بأنقره
وفي «الشعر والشعراء»:
وطعنة مسحنفره ... وجفنة مثعنجره
تبقى غدا بأنقره
(٣) يكنى عبد الملك بن عمير أبا عمر وأبا عمرو.