كتاب الأغاني،

أبو الفرج الأصبهاني (المتوفى: 356 هـ)

ذكر امرئ القيس ونسبه وأخباره

صفحة 71 - الجزء 9

  يخطب النساء، فإذا سألهنّ عن هذا قلن أربعة عشر. فبينما هو يسير في جوف الليل إذا هو برجل يحمل ابنة له صغيرة كأنها البدر ليلة تمامه، فأعجبته، فقال لها: يا جارية! ما ثمانية وأربعة واثنتان؟. فقالت: أمّا ثمانية فأطباء الكلبة. وأمّا أربعة فأخلاف الناقة. وأمّا اثنتان فثديا المرأة. فخطبها إلى أبيها فزوّجه إيّاها. وشرطت هي عليه أن تسأله ليلة بنائها عن ثلاث خصال، فجعل لها ذلك، وأن يسوق إليها مائة من الإبل وعشرة أعبد وعشر وصائف وثلاثة أفراس ففعل ذلك. ثم إنه بعث عبدا له إلى المرأة وأهدى إليها نحيا⁣(⁣١) من سمن ونحيا من عسل وحلَّة من عصب. فنزل العبد ببعض المياه فنشر الحلَّة ولبسها فتعلَّقت بعشرة فانشقّت، وفتح النّحيين فطعم أهل الماء منهما فنقصا. ثم قدم على حيّ المرأة وهم خلوف⁣(⁣٢). فسألها عن أبيها وأمّها وأخيها ودفع إليها هديّتها. فقالت له: أعلم مولاك أن أبي ذهب يقرّب بعيدا ويبعّد قريبا، وأن أمّي ذهبت تشقّ النّفس / نفسين، وأنّ أخي يراعي الشمس، وأن سماءكم انشقّت، وأنّ وعاءيكم نضبا. فقدم الغلام على مولاه فأخبره. فقال: أمّا قولها إنّ أبي ذهب يقرّب بعيدا ويبعّد قريبا، فإنّ أباها ذهب يحالف قوما على قومه. وأمّا قولها ذهبت أمّي تشقّ النفس نفسين، فإنّ أمّها ذهبت تقبل⁣(⁣٣) امرأة نفساء. وأمّا قولها: إنّ أخي يراعي الشمس، فإنّ أخاها في سرح له يرعاه فهو ينتظر وجوب الشمس ليروح به. وأمّا قولها: إن سماءكم انشقّت، فإن البرد الذي بعثت به انشقّ. وأمّا قولها إن وعاءيكم نضبا، فإنّ النّحيين اللَّذين بعثت بهما نقصا، فأصدقني. فقال: يا مولاي، إني نزلت بماء من مياه العرب، فسألوني عن نسبي فأخبرتهم أنّي ابن عمّك، ونشرت الحلَّة فانشقّت، وفتحت النّحيين فأطعمت منهما أهل الماء. فقال: أولى لك!.

  ثم ساق مائة من الإبل وخرج نحوها ومعه الغلام، فنزلا منزلا. فخرج الغلام يسقي الإبل فعجز؛ فأعانه امرؤ القيس؛ فرمى به الغلام في البئر، وخرج حتى أتى المرأة بالإبل، وأخبرهم أنه زوجها. فقيل لها: قد جاء زوجك.

  فقالت: واللَّه ما أدري أزوجي هو أم لا! ولكن انحروا له جزورا وأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فقالت: اسقوه لبنا حازرا (وهو الحامض) فسقوه فشرب. فقالت: افرشوا له عن، الفرث⁣(⁣٤) والدم، ففرشوا له فنام. فلما أصبحت أرسلت إليه: إني أريد أن أسألك. فقال: سلي عمّا شئت. فقالت: ممّ تختلج شفتاك؟ قال: لتقبيلي إيّاك. قالت:

  فممّ يختلج كشحاك؟ قال: لالتزامي إيّاك. قالت: فممّ يختلج فخذاك؟ قال: لتورّكي إيّاك. قالت: عليكم العبد فشدّوا أيديكم / به، ففعلوا. قال: ومرّ قوم فاستخرجوا امرأ القيس من البئر، فرجع إلى حيّه، فاستاق مائة من الإبل وأقبل إلى امرأته. فقيل لها: قد جاء / زوجك. فقالت: واللَّه ما أدري أهو زوجي أم لا، ولكن انحروا له جزورا فأطعموه من كرشها وذنبها ففعلوا. فلما أتوه بذلك قال: وأين الكبد والسّنام والملحاء⁣(⁣٥)! فأبى أن يأكل.

  فقالت: اسقوه لبنا حازرا. فأبى أن يشربه وقال: فأين الصّريف⁣(⁣٦) والرّثيئة!. فقالت: افرشوا له عند الفرث والدم.

  فأبى أن ينام وقال: افرشوا لي فوق التّلعة الحمراء، واضربوا عليها خباء. ثم أرسلت إليه: هلمّ شربطتي عليك في المسائل الثلاث. فأرسل إليها أن سلي عمّا شئت. فقالت: ممّ تختلج شفتاك قال: لشربي المشعشعات. قالت: فممّ


(١) النحي: الزق.

(٢) خلوف: غيب.

(٣) يقال: قبلت القابلة المرأة إذا تلقت ولدها عند ولادته.

(٤) الفرث: السرجين ما دام في الكرش.

(٥) الملحاء: لحم في الصلب من الكاهل إلى العجز من البعير.

(٦) الصريف: الحليب الحار ساعة يصرف عن الضرع. والرئينة: اللبن الحليب يصب عليه اللبن الحامض فيروب من ساعته.